رئيس التحرير
عصام كامل

تجارب عربية في الإصلاح.. «المغرب» الدستور يحمي القضاة والملك ضامن لاستقلالية السلطة القضائية..«تونس» الإصلاح يبدأ من دستور 2014.. «الإمارات» تنفرد بين الدول العربية بنظام


منذ أمد بعيد والتقاضي في مصر يمثل أزمة عصية على الحل، إذ يطول بالسنوات قبل إصدار الحكم وإنصاف أصحاب الحقوق، صحيح أنه لا يوجد في العالم قانون قادر على التحكم بمدة نظر الدعوى أمام القضاء؛ لأن الأمر يختلف من قضية إلى أخرى، لكن هناك دولا كثيرة قطعت شوطا طويلا في طريق إصلاح منظوماتها القضائية، بعضها دول عربية وخليجية، وأخرى أجنبية، نستعرض تجارب منها في السطور التالية..


قضاء المغرب
يجعل الدستور المغربي من السلطة القضائية سلطة مستقلة عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، وتتبع فقط العرش المغربي، ويضمن الدستور عدم قابلية قضاة الحكم للنقل والعزل، ووضع المجلس الأعلى للقضاء تحت الرئاسة الفعلية لصاحب الجلالة، فالدستور يكرس استقلال السلطة القضائية كمبدأ أساسي، ليس كامتياز يمنح للقضاة، ولكن كشرط لضمان حسن سير العدالة وفرض نزاهتها وحق للمواطنين في عدالة مستقلة، وهذا ما تؤكده النصوص التالية:

الفصل 107: السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية.
- الملك هو الضامن لاستقلال السلطة القضائية.
الفصل 108: لا يعزل قضاة الأحكام ولا ينقلون إلا بمقتضى القانون.

ومثل العديد من الدول التي تعاني مشاكل في القضاء، أعلنت حكومة المغرب عن خطة «طموحة» لإصلاح نظامها القضائي، وكان الملك محمد السادس أعلن عن خطة لإصلاح القطاع منذ عام 2009، لكنها لم تحقق تقدما كبيرا، وعندما جاء حزب العدالة والتنمية للحكم عام 2012 جعل الإصلاح من أولوياته.

الخطة التي كشف عنها هي نتاج أكثر من عام من المناقشات والدعوات لاتخاذ إجراءات؛ ليتماشى قانون العقوبات مع الدستور الجديد والمعاهدات الدولية، وأيضًا إجراءات للإشراف على القضاة ومعاقبتهم لمنع الفساد.

وبدأت الخطوات الإصلاحية المغربية بالموافقة المبدئية على اتفاقية قضائية مع فرنسا، هدفها تعزيز التعاون بين السلطتين القضائيتين بالبلدين، وذلك لضمان حسن تدبير الإجراءات، حين تكون الأفعال المبلغ عنها قد ارتكبت على الحيز الترابي الذي يمارس ضمنه الطرف الآخر سيادته.

الاتفاقية التي جاءت على شكل مشروع قانون، تتم الموافقة بموجبه على بروتوكول إضافي ملحق باتفاقية التعاون القضائي في الميدان الجنائي بين حكومتي البلدين، تأتي تبعا لمحضر المفاوضات الموقع في باريس بتاريخ 31 يناير 2015 بين وزير العدل والحريات المغربي ووزيرة العدل الفرنسية.

وينص البروتوكول على أن يقتصر تطبيق مقتضيات الاتفاق القضائي بين فرنسا والمغرب على الأفراد الذين يحملون جنسية الطرفين، ولن يكون بإمكان أي مواطن يحمل جنسية ثالثة، أن يبلغ قضاء البلدين عن أفعال مجرمة وفق القانون الجنائي.

ويؤكد الاتفاق الجديد على تبادل المؤسسات القضائية بين البلدين للمعلومات بشأن الأفعال المبلغ عنها، التي قد تكون ارتكبت على إقليم الطرف الآخر، وذلك قبل الشروع في تدبير الإجراءات القضائية التي قد تصل إلى حد الاعتقال.

ودعا البروتوكول الطرفين إلى إشعار بعضهما فورًا بالإجراءات المتعلقة بالأفعال المعاقب عليها جنائيا قبل اللجوء لأي خطوة، مؤكدا أن السلطة القضائية المقدم إليها الطلب تقوم بإجراءاتها القضائية في حالة عدم إفادتها بإجابة، أو في حالة عدم اتخاذ الطرف الآخر أي إجراء للرد على إشعار الأجهزة القضائية للطرف الآخر.

الإمارات

يعمل النظام القضائي في دولة الإمارات ضمن إطار ثنائي يشمل القضاء المحلي والقضاء الاتحادي، فهو بذلك ينفرد عن غيره من الأنظمة القضائية في العالم العربي، وتنظم المواد الدستورية من المادة 94 إلى 109 العلاقة بين هذين النظامين؛ حيث تشرح الأصول الكلية لهذه العلاقة، بينما ترك بيان تفصيلاتها للقضاء المحلي دون أن يخالف أو يتعارض مع المبادئ الكلية التي وضعها الدستور.

وفي جميع إمارات الدولة توجد محاكم ابتدائية ومحاكم استئنافية، اتحادية أو محلية، فضلًا عن المحاكم الشرعية التي تنظر في قضايا الأحوال الشخصية، مثل الزواج والطلاق والميراث وغيرها.

أكثر ما يميز النظام القضائي في دبي العدالة، مع الدقة والسرعة في تنفيذ الإجراءات القضائية، وتعد الشريعة الإسلامية التي تستنبط أحكامها وقوانينها من الكتاب والسنة المصدر الرئيسي للتشريع.

وينص دستور دولة الإمارات على أن الجميع، بصرف النظر عن أعراقهم وجنسياتهم ومعتقداتهم الدينية ومكانتهم الاجتماعية، متساوون أمام القانون، كما يكفل حقوق الإنسان، ويحظر التعذيب والمعاملة المهينة للكرامة بمختلف أشكالها وإلقاء القبض والتفتيش والحجز والحبس ودخول المنازل دون إذن أصحابها إلا وفقًا لأحكام القانون.

وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، نجح القضاء الإماراتي، بشكليه المحلي والاتحادي، في تقديم نموذج ناصع لترسيخ سيادة القانون وتكريس مبدأ الفصل بين السلطات، وقد ساهم هذا النظام في تعزيز أمن المجتمع وسلامته وتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي لأبناء الدولة، وإرساء مبادئ المسئولية والشفافية والكفاءة في مختلف أجهزة الدولة، وهكذا تصدرت الإمارات قائمة الدول العربية الأكثر شفافية في نظامها القضائي.

تونس
وتتجه تونس نحو إجراء إصلاحات عميقة، فيما تشارف المهل الدستورية لتعديل نظامها القضائي بكامله على الانتهاء؛ حيث أظهرت ترددا في تطبيق هذا الإصلاح، فمنذ انتفاضة 2011 لم تجرؤ أي من الحكومات المؤقتة على القيام بتغييرات حقيقية في النظام القضائي الذي لا يزال يوظّف عددًا كبيرًا من رموز النظام السابق.

الإصلاحات القضائية المنتظرة سوف يكون لها تأثير كبير على تطبيق القوانين المرتقب إقرارها في مجلس النواب، بما في ذلك قانون مكافحة الإرهاب، وقانون المساواة على أساس الجنس، والقوانين المتعلقة بحقوق المهاجرين، وسوف تكون للطريقة التي تتعامل بها المحاكم مع هذه القوانين تداعيات مهمة على التشريع، فعلى سبيل المثال، يضمن الدستور المساواة على أساس الجنس، خلافًا لقانون الأحوال الشخصية، وعلى الرغم من مصادقة تونس على عدد من الاتفاقات حول حقوق المهاجرين، ليس هناك قانون لتنظيم مسألة طالبي اللجوء، بل تقتصر التشريعات على تنظيم أوضاع المهاجرين الذين يدخلون البلاد بصورة قانونية، كما أن القضايا المتعلقة بالإرهاب قد تدفع بالمحكمة الدستورية إلى مناقشة الحد الفاصل بين حرية التعبير والحق في ممارسة المعتقد الديني بحرية، أو حماية الحياة الخاصة.

الجزائر
قبل سنة 1962، كان القضاء الإداري الجزائري جزءا لا يتجزأ من النظام القضائي الفرنسي، وكانت تسوية النزاعات الإدارية مخولة لثلاثة محاكم إدارية في كل من الجزائر العاصمة ووهران وقسنطينة، التي كانت قراراتها قابلة للطعن أمام مجلس الدولة في باريس.

وعقب الاستقلال، شهد النظام القضائي الجزائري عدة تغييرات قبل أن ينتهي به المطاف إلى ازدواجية القضاء، أي تبني نظامين قضائيين، يتمثلان في الجهات القضائية العادية وعلى رأسها المحكمة العليا، والجهات القضائية الإدارية وعلى رأسها مجلس الدولة.

وتضطلع محكمة التنازع بمهمة الفصل في نزاعات الاختصاص الإيجابية والسلبية بين القضاء العادي والقضاء الإداري.

القضاء الجزائري عرف نظامي القضاء الموحد في بداية مراحل تطوره، ثم عرف الازدواجية إبان الاستعمار الفرنسي، ليعود إلى الأحادية بعد الاستقلال، ثم إلى الازدواجية بعد التعديل الدستوري سنة 1996.

ويتميز النظام القضائي الجزائري بالدرجة المزدوجة للجهات القضائية (المحاكم والمجالس)، وعلى رأسها المحكمة العليا التي يمنحها الدستور دور جهاز منظم لنشاط المجالس والمحاكم التابعة للنظام القضائي، وهي تضمن توحيد الاجتهاد القضائي عبر البلاد، وتسهر على احترام القانون.

ومنذ دستور 1996 يتسم النظام القضائي، بازدواجية الجهات القضائية (القضاء العادي والقضاء الإداري)، ولكل شخص يعتبر نفسه متضررا من تصرفات الإدارة أو مؤسسة عمومية ذات طابع إداري، الحق في اللجوء إلى محاكم النظام الإداري للحصول على التعويض.

الازدواجية وأثرها على تطور القضاء الإداري
المتتبع لمسيرة إصلاح النظام القضائي الجزائري، يرى أنه مر بمراحل متميزة منذ 1830 جعلت منه نظاما متأرجحا بين الوحدة والازدواجية، وبصدور دستور 1996 شق المشرع الجزائري طريقا نحو الازدواجية القضائية، التي تكرست بشكل فعلي من خلال إصداره للقانون 98/01 المتعلق بمجلس الدولة، والقانون 98/02 المتعلق بالمحاكم الإدارية، والقانون 98/03 المتعلق بمحكمة التنازع.
الجريدة الرسمية