رئيس التحرير
عصام كامل

موقعة برلين


لم تكن زيارة لرئيس منتخب بنسبة فاقت التسعين بالمائة لدولة أوربية، تعرف جيدًا خطر الفاشية الذي كاد يلتهم المنطقة.. لم تكن زيارة من رئيس الدولة الأهم في أفريقيا، إلى دولة هي الأكثر أهمية في محيطها الأوربي.. تحولت إلى موقعة.. نعم موقعة.. والموقعة حسب قاموس المعاني، هي معركة في حرب..

حرب الإخوان طويلة، وبرلين مجرد موقعة ضمن سلسلة مواقع في حربهم على الدولة المصرية، والموقعة في بعض المعاني هي الصدمة، وهي اسم مفعول من أوقع، والحق يقال إن السيسي أوقع كل الحالمين بالاستيلاء على مصر فيما هو أبعد من الحيص وأعمق من البيص.

كان عبد الفتاح السيسي صاحب قرار جريء عندما رفض تأجيل الزيارة أو إلغاءها، وكان شجاعا في كل خطوة خطاها هناك.. كلمته كانت مركزة، مهمة، عميقة، إنسانية، وحاسمة.. لقاءاته متنوعة، متجانسة، منسجمة، وكان الرجل يتسم بنفس الصدق الذي يبدو به أمام جمهوره وشعبه في مصر.. تحدث بصراحة في كل المسكوت عنه إلا فيما ندر.. كان موفقًا إلا فيما يخص القضاء، فالإجابة التي كان ينبغي عليه أن يكررها.. للقضاة نظامهم الذي يديرهم، ولست مؤهلا للخوض فيما تسألونني عنه.

الخلاصة أن الرئيس كان هو بطل المشهد وما دونه كانوا دون المستوى.. لا أقلل من شأن كل المشاركين في الزيارة.. للإعلاميين حق الحضور الذي كفله لهم الدستور.. المصري والألماني.. غير أني لم أفهم حتى الآن ما معنى الوفد الشعبي الذي خرج لزفة الرئيس.. لم أفهم ماذا تعني كلمة وفد شعبى ودبلوماسية شعبية ومزامير شعبية.. لم أفهم ولم أعرف من صاحب هذا الاقتراح اللولبي - من اللولب المستخدم قديمًا في منع الحمل - ولا من صاحب الرؤية اللوذعية والقريحة اللهلوبية - من لهاليبو بتاع مصطفى قمر - الذي خرج بفكرة وضع سياج شعبي للرئيس يحميه من برد الشتاء وحر الصيف؟

ما دمنا كنا بصدد موقعة فرضت على السادة المنتمين إلى القاع الشعبي من أمثالي للمشاركة، فإن الشيء بالشيء يذكر، ولا يفل الحديد إلا الحديد، وليس من باب الخيال العلمي أن نقول ماذا لو أن الست أنجيلا ميركل، قد طلبت الزيارة؟.. زيارة مصر.. وفاجأتنا بوفد شعبي على غرار الوفد الشعبي المصري الذي رافق السيسي؟!

وسعوا خيالكم بعض الشيء، وتصوروا أن الست ميركل تمضي في شارع المعز منبهرة بالحضارة الإسلامية العظيمة وعلى مقربة منها يسير مستر «أهمد الفضالي» «الألماني وهو يهتف» "الست ميركل ستنا كلنا ولن نسمح وأنا بقول أهو.. بقول أهو.. لن نسمح للنازيين الجدد بإسكاتها"، وبدورها تهز ميركل رأسها وهي تمضي في خيلاء؛ حيث تسمع هدير الأصوات الشعبية الألمانية «تردد دي زني.. دي زني».. والألمانية ميركل ترد عليهم وبقوة «دي زني.. دي زني»، والناس من حولهم لا يعرفون ماذا يقصد الوفد الشعبي الألماني بقيادة «يسراهم» بما يقولونه «دي زني» حتى يأتي واحد من العالمين ببواطن اللغة الألمانية ليقول لهم إن الوفد الشعبي يقول لميركل في مواجهة «إخوانهم» الذين يطلق عليهم النازيون الجدد.. قشطة.. ترد ميركل قشطة باللغة الألمانية طبعًا.

تمضي الست ميركل في الشارع ومن حولها الست إلهام شاهين الألمانية، حتى تصل إلى حاتي المعز، وهنا تقف الست ميركل وهي تصرخ في الوفد الشعبي الألماني «داص هتشين»، والجمع الألماني الذي يمضي من خلفها يهتف «داص هتشين»، والوفد الأمني المصري المرافق لا يفهم ماذا يقصدون بـ"داص هتشين" فيتوجهون إلى المترجم الذي يرد عليهم بالقول: إن الست ميركل إنما اندهشت لأن الفراخ لديكم تشوى مثلما هو الأمر لديهم، فانفعلت وقالت "فراخ"، ورد عليها الجمع "فراخ فراخ"!!

عند تقاطع المعز مع شارع الأزهر، وقفت الست المستشارة وعلى مسافة منها تتراص مجموعات الوفد الألماني الشعبي.. رفعت يدها اليمنى معانقة اليسرى وقالت "دي تك".. ردد حولها الجميع «دي تك دي تك»، وعلى الفور يتدخل الأمن ليفهم ما يدور، فكل كبيرة وصغيرة لا بد أن يفهموها؛ إذ الست ميركل مستهدفة.. يتوجه الضابط الكبير للمترجم ويسأله ما معنى «دي تك دي تك؟».. يرد المترجم في الحقيقة لا أعرف.. كل ما أعرفه أن دي تك معناها عجين.. ربما تقصد المستشارة أن تقاطع الشارعين عجين متداخل في بعضه.

على الفور يمنع الأمن المتداخلين من هنا ومن هنا؛ لتمضي الست ميركل بهدوء في جولتها.. في الجهة الأخرى من الشارع يبدو الأمر أكثر تعقيدا، فالشارع مزدحم والسيدة أنجيلا ميركل تنظر للوفد وهي تقول «داصميل.. داصميل»، وهم يقولون من ورائها «داصميل داصميل».. الأمن يلجأ للمترجم.. المترجم يقول لهم إن الست ميركل منزعجة من الزحام وتشبهه بالعجين.

تمضي الست في زيارتها حتى تصل إلى لقائها بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وعلى العشاء الرسمي تقول الست للرئيس: هل لي أن أطلب «داص فلايش؟».. نظر الرئيس إلى المترجم الذي يرد عليه بسرعة «الست عايزة لحمة».

أمام القصر كان الوفد الشعبي الألماني يهتف «إيمنشن فولن أوم دي ناتسس تو زنئن».. لم تكن العبارة بحاجة إلى مترجم، فالشعب المصري كله يعرف أن الوفد الشعبي الألماني يردد هذه العبارة في كل المحافل.. ومن الجدير بالذكر أن معناها "الشعب يريد إسقاط النازيين"!!
الجريدة الرسمية