رئيس التحرير
عصام كامل

حظر التدخين دخان في الهواء.. 4 تشريعات خلال 34 عامًا تسقط أمام سطوة «السيجارة».. 3مليارات جنيه يتم إنفاقها سنويًا لمواجهة أمراض تتصل بالتدخين..20مليار جنيه حجم الإنفاق السنوي.. والوفيات 170


«ممنوع التدخين».. جملة تصادفك كثيرًا، سواء في الأماكن العامة، أو المصالح الحكومية، أو المواصلات العامة، وغيرها.. فالقوانين المانعة للتدخين كثيرة، وليست وليدة اليوم وإنما بدأت في مصر منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي، لكنها حتى يومنا هذا كأن لم تكن، فهى لم تعرف التطبيق إلا على استحياء، في حين أن هناك دولًا كثيرة التزمت تماما بتطبيق قوانين منع التدخين، بداية من نيوزيلندا في عام 2003، وأيرلندا عام 2004.


أسباب فرض قانون منع التدخين تستند على حقيقة أن التدخين عملية اختيارية، بينما التنفس لا، ومن حق غير المدخنين أن يتنفسوا هواءً نقيًا، لهذا يعتقد أن القانون لا يأتى بالأساس للحفاظ على صحة المدخن، بل يهتم بـ «المدخنين السلبيين» الذين يستنشقون رغما عنهم أكسجينًا مشبعًا بالغازات الضارة المنبثقة من دخان السجائر، وما يتعرضون له من مشاكل صحية، لاسيما ازدياد فرص الإصابة بأمراض القلب والسرطان وانتفاخ الرئة، وغيرها من الأمراض الخطيرة.

وعلى الرغم من أن مصر واحدة من أكثر الدول التي أصدرت قوانين لمنع التدخين، ولكنها قوانين خارج نطاق الخدمة، ولعل أولها قانون 53 لسنة 1981 المتعلق بالوقاية من أضرار التدخين، والذي نصت المادة «4» منه على «يحظر على الهيئات التابعة للدولة والأشخاص الاعتبارية العامة ووحدات القطاع العام ودور العرض والمسارح والأندية الرياضية السماح بالتدخين لما تحدده اللائحة التنفيذية للقانون «، كما جاء في نص المادة 6 «يحظر التدخين في وسائل النقل العام والأماكن العامة والمغلقة التي يصدر بتحديدها قرار من وزير الدولة للصحة».

وبعد 13 عامًا، صدر قانون رقم 4 لسنة 1994 لشئون البيئة، وتضمنت في المادة رقم «6» ما نصه «يلتزم المدير المسئول عن المنشأة باتخاذ الإجراءات الكفيلة بمنع التدخين في الأماكن العامة المغلقة إلا في حدود المسموح به في الترخيص الممنوح لهذه الأماكن، ويراعى في هذه الحالة تخصيص حيز للمدخنين بما لا يؤثر في الهواء بالأماكن الأخرى».

كما تضمنت المادة رقم 87 من قانون العقوبات «يعاقب بغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد على عشرين ألف جنيه، وفى حالة عدم التزام المدير المسئول عن المنشأة بمنع التدخين في الأماكن العامة المغلقة»، وجاء في الفقرة الأولى من المادة «46» من هذا القانون «يعاقب بغرامة لا تقل عن عشرة جنيهات ولا تزيد على خمسين جنيهًا كل من يدخن في وسائل النقل العام بالمخالفة لحكم الفقرة الثانية من المادة المشار إليها، وفى حالة العودة تكون العقوبة الحبس والغرامة».

ومع الألفية الجديدة توالت قوانين منع التدخين، بداية من القانون 85 لسنة 2002، وانتهاء بقانون 54 لسنة 2007، قبل أن يصدر وزير الصحة اللائحة التنفيذية رقم 9 لسنة 2010، والتي ألزمت بتطبيق بنود القانون، والقبض على أي مدخن في مكان عام أو مغلق ومعاقبته، إلا أنه لم يؤخذ بهذه القوانين حتى الآن دون إبداء أي أسباب، فالمدخنون في كل مكان، سواء في المواصلات العامة بجميع أنواعها أو أماكن العمل والمحال، يدخنون دون أدنى تقييد أو عقوبة ضاربين بقوانين المنع عرض الحائط. ويكونون أصحاب الصوت الأعلى ضد كل من يطالب منهم بعدم التدخين.

وبعيدًا عن التكلفة الاقتصادية للتدخين الذي يلتهم نحو 20 مليار جنيه من حجم الإنفاق السنوي، فهو يتسبب في وفاة نحو 170 ألف شخص سنويًا في مصر، ويبلغ حجم الإنفاق السنوى لعلاج الأمراض المترتبة عليه نحو 3 مليارات جنيه، بحسب تقارير الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء.

وتشير الدراسات العالمية إلى أن عدد المدخنين في العالم يزيد على 1.3 مليار، ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فإن التدخين يتسبب في مقتل أكثر من 5،4 ملايين شخص في جميع أنحاء العالم سنويًا، وما يعرف بـ»التدخين السلبي» يتسبب في 600 ألف وفاة مبكرة، وعدد هائل من الأمراض التي تسبب العجز والتشوهات، بالإضافة إلى خسائر اقتصادية تقدر بعشرات المليارات من الدولارات.

منظمة الصحة العالمية في تحذيرها من خطورة التدخين، قالت«لا يزال التبغ يمثل أهم أسباب الوفاة، إذ يودى بحياة أكثر من خمسة ملايين نسمة كل عام، وتشير التقارير إلى إمكانية ارتفاع الوفيات السنوية إلى ثمانية ملايين حالة وفاة بحلول عام 2030 إذا لم تتخذ أي إجراءات عاجلة لمكافحة وباء التبغ».

وعن الأرقام الخاصة بالتدخين في مصر، قال أسامة سلامة –رئيس رابطة تجار السجائر– إن المصريين يستهلكون نحو 224 مليون سيجارة يوميًا بما يعادل تقريبًا 82 مليار سيجارة سنويًا، مضيفًا أن عدد مدخنى السجائر يقترب من 45 مليون شخص، و65 % منهم يدخنون السجائر منخفضة الثمن سواء المحلية مثل «كليوباترا»، أو المهربة والمقلدة التي تأتى من الصين واليونان ومنطقة جبل على بالإمارات، خاصة أن هناك أكثر من نوع للسجائر، فمنها ما يصنع في أمريكا، وتقل فيها مقارنة بالاتحاد الأوربي نسبة النيكوتين، تلك المادة الكيميائية التي تسبب الإدمان وتدخل في مجرى الدم وتنتقل إلى أجزاء كثيرة من الجسم، وكذا القطران -مادة تصبح لزجة في الرئتين وتحتوى على العديد من المواد المسببة للسرطان- وتزداد نسبتهما بشكل في النوع الثالث من السجائر الذي يخص الدول النامية، كما تصرف شركات التبغ العالمية ما يزيد على 6 مليارات دولار للترويج للتدخين في الدول النامية.

ولفت سلامة إلى القوانين والتشريعات التي صدرت بشأن منع التدخين في الأماكن العامة لأضرارها الكثيرة على المدخنين وغير المدخنين، مثل، المادة رقم «39» من لائحة تنظيم العمل والجزاءات التأديبية بقانون العمل، وتنص على «التدخين أثناء العمل أو في أماكن العمل: إذا كان التدخين لا يترتب علية خطورة يخصم أول مرة يوم ثم يومين ثم ثلاثة ثم خمسة أيام، والمادة رقم «40» نصها «إذا كان التدخين يسبب خطورة على المنشأة، أول مرة إنذار بالفصل، وثانى مرة يفصل بعد العرض على اللجنة الثلاثية»، ناهيك عن غيرها من قوانين 1981 و1994 وآخرها 2007 التي لا تؤثر في نسب مبيعات السجائر في مصر أو عدد المدخنين، والسبب أنها لا تطبق، فلا أحد يحترم القانون حتى المسئولين عن تطبيقه هم أنفسهم أول من يخترقه، على حد قوله.

سلامة استدرك قائلا: هناك انخفاض في نسبة التدخين في الفترة الأخيرة، ويرجع إلى الضرائب الجديدة التي أصدرها الرئيس عبد الفتاح السيسي لتعديل وزيادة قيمة الضرائب القطعية المفروضة على السجائر بنحو 50 قرشًا لعلبة السجائر المحلية بجميع أنواعها، وترتفع إلى جنيه واحد لعلبة السجائر الأجنبية غير الفاخرة و150 قرشًا للعلبة للماركات الفاخرة.

قرار رفع قيمة ضرائب السجائر، يأتى –كما يقول رئيس رابطة تجار السجائر- في إطار التزامات مصر بالاتفاقية الإطارية مع منظمة الصحة العالمية، والتي جاء في نصها «تتخذ الحكومات السياسات السعرية والضريبية للحد من أضرار التدخين»، وكذلك دعمًا للموازنة العامة للدولة لتوفير متطلبات الإنفاق على التأمين الصحى والرعاية الصحية للمواطنين، إذ تبلغ حصيلة القرار نحو 55 مليار جنيه سنويا، وبالفعل انخفض معدل التدخين اليومى من 224 مليون سيجارة إلى نحو 200 مليون سيجارة، ما ينعكس بالسلب على عائدات الشركات، وبالتالى عائدات الخزينة العامة للدولة، التي ستتناقص بما لا يقل عن 2 مليار جنيه من أصل 32 مليار جنيه.. وجمالا فإن قوانين حظر التدخين لا يتم تفعيلها ضد المخالفين لأنها مجرد دخان في الهواء.

الجريدة الرسمية