سر عدم اعتذار وزير الداخلية
لماذا اعتذر الرئيس ولم يعتذر الوزير؟.. عبد الفتاح السيسي أصبح رئيسا بحكم الجماهير، التي زحفت إلى صناديق الانتخابات.. رئيس بشرعية جماهيرية جارفة.. رئيس عينه الشعب.. أوكله في مهمة حكم البلاد.. مهمة إنقاذ وطن.. ولأنه مكلف بأمر شعبي، فإن هذا التكليف أمر مقدس؛ لأنه جاء بإرادة بشرية مصرية جامعة وإرادة الشعوب هي المقدس الوحيد.. من أجل ذلك اعتذر الرئيس؛ لأنه شعر أن مواطنا مصريا شريفا أهين، وهو قد أعلن أنه جاء ليكمل حربا شعبية من أجل الكرامة.
لماذا لم يعتذر وزير الداخلية؟.. أتصور أن بعض المحيطين به من قادة الجهاز الأمني، لايزالون يعيشون في زمن حبيب العادلي.. صور البعض للوزير أن الاعتذار هو انكسار لإرادة الجهاز الأمني أمام إرادة المحامين.
أنا على يقين، أن اللواء مجدي عبد الغفار وزير من طراز مختلف.. تبدو تحركاته أكثر وعيا.. وزير يفهم معنى الأمن.. وأنا على يقين أيضا، أن الرجل ربما راودته فكرة الاعتذار، غير أن جماعة القبيلة الأمنية ربما صورت له الأمر على أنه نوع من الهزيمة أمام عناد المحامين، وقد يكون البعض أوهمه أن في ذلك انهيارا للمنظومة الأمنية، وأن كل ضابط لن يستطيع أن يظهر مرة أخرى أمام زوجته بمظهر رجل الشرطة في تصورات سعاد حسني.
اعتذر الرئيس لأن القضية إنسانية.. ترتبط بالكرامة.. كرامة واحد من رعيته التي ائتمنته على حكمها، وانتخبته للحفاظ على مقدراتها ومطالبها الثورية.. لم يعتذر الوزير؛ لأن حوله موظفين يعتقدون أن رجل الشرطة على رأسه ريشة، كما يتصور بعض الصحفيين أيضا أن على رأس الصحفي ريشة.. لم يعتذر الوزير لأنه ليس رجلا سياسيا.. هو وزير تكنوقراط.. يفهم في الأمن بشكل متعمق، دون أن تكون لديه تجربة سياسية.
أتصور أن الحكومة التي ستأتي بعد البرلمان القادم ستتم صناعتها في مطبخ أصحاب الأغلبية.. لا بد أن يكون وزير الداخلية فيها ذا وجه سياسي.. ربما لا تكون لديه خبرة أمنية، فالخبرات داخل جهاز الشرطة ما أكثرها، وما نحتاج إليه ليس وزيرا صاحب قدرات خاصة في الرماية.. سيصبح وزير الداخلية صاحب قدرات خاصة في العبور بوزارته إلى الأمان، كلما أحاطت بها أزمة مثل تلك التي انتزع فتيلها الرئيس.
إنني على دراية كاملة بما فعله الوزير الجديد مجدي عبد الغفار، خاصة أن إدارته لملف العنف والإرهاب بدأت تؤتي ثمارها، وأصبحنا أصحاب مبادرة بعد أن ظللنا لفترة طويلة مجرد مفعول به، غير أني ومن نفس منطلق الحرص على نجاح تجربته، أقترح أن يختار له مستشارًا سياسيًا لتكتمل تجربته وتصبح جزءًا مهمًا من إنجازات وزارة الداخلية.