رئيس التحرير
عصام كامل

الحرية لعقولنا!


بداية.. لا تستغرب إن قلت لك إن هذه المقدمة وحدها استغرقت وقتًا تجاوز الثلاث ساعات.. لمقال دونت فقراته في ما لا يزيد على ساعة واحدة !

لأول مرة أجد نفسي غير موفق في اختيار كلمات تعبر عن خلاصة المفاجآت التي تلاحقنا كل يوم.. عن عروش انهارت لكيانات وجماعات كنا نظنها محصنة من "دراما الزمن ".. عن حالة التشدد المدمرة التي أصابت العقول في مقتل وجعلت التطرف وصيًا عليها..عن محاولات لا تنفض لحشو الأدمغة بشعارات من "مُهرجين سُذج "..ألاعيبهم لم تعد تصلح إلا لإثارة الاستياء والسُخرية والملل!

1
وكأنه مشهد النهاية لفيلم سينمائي..خرج الناشط الإخواني محمد سلطان بعد ما يقرب من عامين على حبسه متسلحًا بآخر كارت له للنجاة من السجن "الجنسية الأمريكية".. وفي هذه القضية وبعيدًا عن ملابساتها استغربت بشدة أن الجماعة لم تترك ابنًا لأحد قادتها إلا وحصنته "بالجنسية الأمريكية" ومثيلاتها من جنسيات- الغرب الكافر - المُعادي للإسلام وأهله.. مثلما كانوا "يبشرونّ الثّوم" على عقولنا ليخدرونا بشعاراتهم.. بينما هم في الخفاء يطلبون ودهم.. ويطمئنوهم دوماُ أنهم يتسلحون بنفس أدواتهم للهيمنة على المجتمعات العربية بحسب اعتراف محمد سلطان نفسه في خطابه اليوتيوبي " لرئيسه الأمريكي".. لحثه على الهمة في الدفاع عنه.. وإخراجه من عتمة السجون المصرية !

وبالفعل.. تدخلت أمريكا- نَصيرة الصهاينة سابقًا- في أدبيات الجماعة للإفراج عن شاب ما إن وطأت قدماه أرضها حتى تفنن في الاحتفال بطريقة طفولية.. وكأنه نسي فجأة مصير والده المُنتظر إعدامه ودماء الضحايا التي سالت بسبب مثل هذه الشعارات الحمقاء الفارغة.. ودون اعتبار لمشاعر زملائه من النشطاء أصحاب الجنسية المصرية دون غيرها.. والتي لم تشفع لهم بالطبع في الخروج للاحتفال معه "بأكل البيتزا" على ضفاف نهر جاكسون في فرجينيا !

ولم يكن سلطان وحده الذي شملته حصانة العم سام.. بل تبين في وقت مضى أن أبناء الرئيس الأسبق محمد مرسي حملوا نفس الجنسية ومعهم أبناء أعضاء مكتب الإرشاد وحتى السلفيون بداية من المعتدلين فيهم.. مرورًا بأعتي مطاريد الجماعات الجهادية الذين يحاربون الغرب ويجزون رقاب أبنائه أمام الكاميرات.. بينما يتخذون من "باسبورهم " ربوّة دبلوماسية وسياسية لحمايتهم.. وعند الشدائد يحّكمون على رءوسهم بلا خجلٍ "البُرنيطة الغربية ".. لتخبئ تحتها أسطورة الشال والسواك..والعباءة القصيرة !

لا أعلم كيف كانت تُخرج الجماعة بهذا الإتقان شعارات -الموت لأمريكا-والحملات الساخطة لمقاطعة بضائعها ومنتجاتها ومن والاها باعتبارها الحليف الأكبر للكيان الصهيوني المغتصب للأرض المحتلة.. وهي الشعارات التي حصنت بها مجدها النضالي طوال تاريخها أمام شعب تُعييه الهتافات الدينية بكافة أشكالها.. وتصمُ أذنيه عن هضم الحقائق..إلى أن دارت الدوائر على غفلة ليكتشف الجميع في زحمة الأحداث الماضية مدى رداءة "الخِتم" الذي أحكمته الجماعة على عقول الغالبية مِنا طوال العقود الماضية!

2
كغالبية المصريين.. لم أفهم حتى الآن السبب الحقيقي لاصطحاب وفد من الفنانين خلال زيارة الرئيس لألمانيا.. وهو الوفد الذي قالوا عنه إنه يمثل ما يسمى بالدبلوماسية الشعبية.. فلم تطلعنا الرئاسة بشيء عنه أكثر من تصريح مقتضب يؤكد أنهم سافروا على حسابهم الخاص..وكأن الأمر بات محصورًا في تقنين الماديات دون النظر لجوهر الفكرة.. والمكاسب التي ستترتب من ورائها.

لم نعرف حتى الآن شيئًا يذكر عن أجندة الزيارة.. ولم يتطوع لنا أحد من الوفد نفسه ليفصح عن أفكاره وخطته واتصالاته المسبقة والمرتبة بواسطتهم.. أو بواسطة الأجهزة التي وافقت لهم على مرافقة الرئيس لمواجهة مراكز القوى الألمانية..سواء المؤيدة لنا أو المعارضة.

ولم يجب أحدهم عن الأسئلة التي شغلت الرأي العام..هل وجودهم كان يستهدف مخاطبة القوى الناعمة الألمانية الموازية لهم بخطة واضحة مدروسة بعناية للتأثير فيهم وإقناعهم بالحجج والمعلومات والوثائق..ودعوتهم لزيارة مصر ومشاهدة الحقيقة على طبيعتها..أم أن الأمر اقتصر على حضور المؤتمر الصحفي للرئيس والاكتفاء بالتصوير أمام كاميرات "الإعلامي الكبير" أحمد موسى أثناء تهليلهم للموكب الرئاسي.. وخلال تبادلهم الشتائم مع "حرافيش الإخوان"؟!

3
خلال أيام تمر الذكرى الأولى لتولي الرئيس السيسي حكم البلاد في ظروف بالغة الصعوبة.. ويبدأ معنا عاما جديدًا.. وعن نفسي أرى أن الرجل لا يزال لديه الكثير ليقدمه لمصر.. وبغض النظر عن ملف الحريات الذي قال عنه في أكثر من مناسبة إن الدولة المصرية تُدفع على غير رغبتها في التعامل بشأنه.. فالديمقراطية لا مكان لها وسط بيئة تعج بالمؤامرات.. ولا حريات خالصة لمن يواجهون المِحن بإعلان العنف.. ولا تغُريهم الإخفاقات المتتالية بتغيير عقائدهم التي قال عنها وزير الأوقاف الحالي إنه لا يُمكن بأي حال مواجهتها بالفكر وحده!

عموما.. في العام الجديد للرئيس لا أجد ما أصدقه القول فيه إلا تأييد نصيحة الكاتب الصحفي الخلوق مصطفى عمار الذي أضم صوتي له فيما قاله عن ضرورة أن يبحث الرئيس عن معارضين شرفاء ودعمهم ليكونوا بالنسبة إليه بوصلة تقوده وسط هذا الكم الهائل من التطبيل والنفاق بما يشكل خطورة على النظام الذي يريد تطبيقه.. ويسعى إليه !

الجريدة الرسمية