رئيس التحرير
عصام كامل

بيان الفتاكة والآلاجة والجدعنة!!


أقاوم، منذ أمس، رغبة ملحة لما هو أبعد من النقد.. أحاول جاهدا أن ألتزم قواعد الأدب أو الكتابة المهنية دون إسراف في استخدامات لألفاظ يعاقب عليها القانون أو لظواهر صوتية من العيب على أمثالي أن يستخدموها.. أحاول التمسك بما هو معروف عني من هدوء فى تناول الأمور.. أحاول وأحاول غير إنى انهزمت أمام الرغبة الملحة والعارمة والقوية والغاضبة حول ما أسموه بالأمس بيان الأجهزة الأمنية.

على فجأة اتصل بي زميل من غرفة الأخبار معلنا لي أن كافة وسائل الإعلام في انتظار بيان هام من الأجهزة الأمنية .. شككت في المعلومة بداية، ذلك أننا اعتدنا تسمية كل جهاز باسمه أما أننا أمام بيان من "الأجهزة الأمنية" فإن الأمر غريب .. اتصلت ببعض المصادر .. أكدوا المعلومة .. نحن في انتظار بيان من "الأجهزة الأمنية".

وجاء البيان بصوت الأخت صفاء حجازي التي بذلت جهودا مضنية لإثبات جدية البيان.. ذكرتني بصوت الراحل العظيم أحمد سمير .. ظلت صفاء متحفزة طوال البيان.. تضغط على الحروف بمبالغة مع تنهيدة جادة ومحاولة لاستخراج كل طاقات صوتها.. أرادت بمحاولاتها أن تصور لنا الأمر على نحو بالغ الصعوبة والخطورة .. بدا الأمر هكذا ظاهريا.. على الفور بدأت المؤسسات الإعلامية والصحفية تناقش البيان.. بيان "الأجهزة الأمنية".
من المفاجآت المذهلة أن البيان أخطرنا بما لم نكن نعلم، أخطرنا أن الإخوان يستهدفون ضباط الشرطة والجيش .. ياللهول .. أرأيتم مفاجآت الأجهزة الأمنية مجتمعة.. أفادكم الله بما أفدتمونا.. ثم تمخض البيان ليقول لمن يجهلون أن الإخوان يجمعون المعلومات الاستخباراتية ويرسلونها لقيادات التنظيم خارج البلاد.. ياااااه معقولة؟

بالطبع فوجئ المواطنون بهذه الدرر الثمينة وبهذه المفاجآت المروعة .. لقد عاش الشعب لحظات من الإثارة التي لا تضاهيها سوى إثارة أفلام الأكشن الأمريكية.. إثارة لا تقل عن إثارة سنبل بعد المليون ودموع في عيون وقحة وإعدام ميت.. إثارة أشد في ذبذباتها من إثارة "سيب إيدي".. إثارة البيان كانت إثارة وطنية لا علاقة لها بإثارة هيفاء أو كيم كاردشيان أو غيرهما.

وقال البيان العظيم إن من بين الأدوار التي قام بها التنظيم الاستخباراتي الجديد والمقبوض عليه، قصة اختراق الصفحات الخاصة لضباط الجيش والشرطة وبعض الشخصيات الهامة.. أضاف البيان "وبعض المواقع الرسمية لبعض الوزارات" .. ولماذا يا سيدي يكون لضباط الشرطة والجيش صفحات؟ .. ثم كيف يتم اختراق موقع وزارة البطاطا مثلا؟ أليس موقعا ينشر معلومات .. أليس موقعا هدفه الإطلالة على الناس كل الناس بمن فيهم قادة التنظيم بالخارج.

ثم تأتى مفاجأة المفاجآت .. أن التكليفات صدرت لهم منذ عام ٢٠١٢ م .. يا سلام .. ياسلاااام .. أي عظمة تلك التى تجعل تنظيما يعمل منذ هذا التاريخ وأجهزتنا الأمنية تعيش نوما في عسل عادل إمام!!

الحقيقة أنني صدمت .. ليس شكا في معلومات "الأجهزة الأمنية" وإنما في سذاجة من كتب البيان .. من صاغ هذا الهراء .. من تجرأ ليخرج على شعب يعرف أضعاف أضعاف ما تعرف أجهزته الأمنية .. هذا الشعب يا حضرات هو الذي يحمل الضباط المقتولين على ظهره .. هو الذي يغسلهم ويدفنهم ويبكى عليهم.. هذا الشعب يا حضرات قرأ منذ ما قبل عام ٢٠١٢  ما هو أخطر من عملية السحاب الداكن، وعمليات تجسس المقطم وأجهزة خيرت الشاطر المزروعة في كل مكان.. هذا الشعب هو الذي يتابع تسريبات الرئاسة ويعلم كيف أصبح مكتب الرئيس على الهواء مباشرة .. هذا الشعب لديه معلومات أهم من معلوماتكم .. ارحمونا يرحمكم الله .. ارحمونا من هذه السذاجة وابحثوا عن مخرج ينقذنا وينقذكم من هذه السطحية.

دعكم من بيان الفتاكة والآلاجة والجدعنة وأفيقوا أننا أمام جماعة هي الأخطر في تاريخنا وما يفعلونه بمصر أكبر من هذه السذاجة التى حبست أنفسنا وحبستم الأخت صفاء حجازى لتقنعونا أنهم متورطون بينما نعرفهم مجرمين وجرائمهم أكبر من تصوراتكم!!
الجريدة الرسمية