رئيس التحرير
عصام كامل

زراعة الاستبداد


ليس فقط زراعته، ولكن أيضاً السهر عليه وتنميته والتباهى به. فأظن أن إحدى المشكلات الكبرى فى الثقافة السياسية هى تصور أن المشكلة فى أن يحكم الحزب الوطنى، فلو أزحناه وجاء أياً من كان ستصبح مصر جنة، وها قد حكموا الإخوان فوجدناهم أكثر استبداداً ووحشية ممن سبقوهم، ويتصور الآن البعض أننا لو أزحناهم، شخصياً أتمنى ذلك، وجاءوا مكانهم فسوف تصبح مصر جنة، وإذا حدث ذلك فسوف نكتشف أنه مجرد مستبد آخر، من المؤكد أنه سيكون أخف وطأة من التنظيم السرى للإخوان، ولكنه فى النهاية لن يكون أكثر من ديكتاتور شيك.

أحدثكم عن المؤتمر الذى عقدته أمس المجموعة المتحدة بالتعاون مع مركز حماية وحرية الصحفيين، عن مستقبل الصحافة والإعلام. والذى تشرفت بتقديم أوراق فيه، أحدثكم عن صدمتى من أن هناك بعض الصحفيين والإعلاميين والقضاة يروجون لما يلى:
• إغلاق الصحف والقنوات التليفزيونية (المتطرفة فى رأيهم)، رغم أن الدول الديمقراطية تكتفى فى قضايا النشر بالغرامات وليس بالعقوبة الجماعية للعاملين فيها ولمشاهديها بقرار الغلق.
• مازال هناك من يتصور أن إلغاء الحبس فى قضايا النشر تخص الصحفيين والإعلاميين وحدهم، رغم أنها ليست حبس الصحفيين والإعلاميين ولكنها الحبس فى قضايا النشر، أى حبس أى مواطن يدلى برأيه فى أى وسيلة اتصال ( مدونة – موقع إلكترونى – جريدة وحتى فى الشارع)، وثانياً أن الدول الديمقراطية (بجد) بعد تجربة مريرة وجدت أن التضييق بالحبس فى جرائم النشر أضرارها أكثر من نفعها، فالضرر الأكبر أنها سوف تحرم المجتمع من حرية التفكير، وهذا مستحيل دون حرية الخطأ، فلابد أن تتسامح قليلاً مع هذه الأخطاء حتى لا تغلق باب التفكير والإبداع، ومع ذلك وضعت ضوابط لها منها الغرامة المالية أو المعنوية الفردية، استناداً إلى أن الجرائم فردية، ومن ثم لا يجوز أن تكون العقوبة جماعية، أخطأ طبيب فى مستشفى فنغلق المستشفى!
• الرغبة العارمة بتقييد تأسيس الإذاعات والصحف بشروط تخص الشكل القانونى، منها مثلاً ألا تزيد الحصة الحاكمة على 40%. والحجة نبيلة وهى عدم سيطرة رأس المال على الصحافة والإعلام. لكن ذلك يحرم مواطنا من حقه فى تأسيس ما يشاء من وسائل إعلامية يبث فيها ما يريد، فهذا حق من حقوق الإنسان استقرت عليه البشرية بالطبع مع وضع ضوابط منها الغرامات على جرائم السب والقذف بدلاً من التضييق، فنفتح الباب لمن يريد تأسيس ما يشاء دون التقيد بشكل قانونى محدد.
• الأعجب هو انتهاك حق أساسى من حقوق الإنسان، وهو حق التنظيم وقد وقعت الدولة المصرية على الإعلان العالمى لحقوق الإنسان الذى يتضمن ذلك، ولا قيمة للحق فى حرية التعبير دون حرية التنظيم وهى حق تأسيس الجمعيات والأحزاب والنقابات وكل أشكال التجمع السلمى التى يبتكرها المجتمع، فوجدت أمس زملاء وأصدقاء كبار يدافعون عن تدمير هذا الحق بحجج رددها كل الديكتاتوريين فى كل مكان، فإذا كان من حقى الانضمام إلى الحزب الذى أريده وأختار المرشح الذى أريده، والجمعية الأهلية التى تعجبنى، فلماذا أكون مجبراً على الالتحاق بنقابة واحدة للمهنة الواحدة.
صدمتى أن من كانوا يدافعون عن هذا الاستبداد يشكلون قطاعاً رفيع المستوى من النخبة السياسية، شاركوا بدمائهم فى ثورة كان مطلبها الأول هو الحرية.
لكننى أظن وليس كل الظن إثم، أنهم يتصورون أن حل مشاكل مصر فى أن يجلسوا فى كراسى الحكم بدلاً من التنظيم الفاشى الذى يحكم مصر الآن، فنقع فى الفخ المدمر مرة أخرى نستبدل ديكتاتورا بديكتاتور ونستبدل بلطجيا ببلطجى.

الجريدة الرسمية