رئيس التحرير
عصام كامل

لسان مصر المقطوع في ألمانيا


لسان مصر الرسمى مقطوع.. لا صوت له.. لا قدرة على الظهور خارج الحدود.. يرى البعض أن وزارة الخارجية التأمت جراحها خلال العام المنصرم، ويرى آخرون أن التواصل مع الميديا ومؤسسات المجتمع المدني بالخارج ليس دور وزارة الخارجية، في حين آمن الجميع أن هيئة الاستعلامات قبرت ودفنت وتحللت بعد أن توالى عليها موظفون لا قدرة لديهم ولا رؤية.


كثيرون من يتحدثون عما ينبغى أن نفعله، وقليلون من يفعلون.. الإخوان انتشروا بالخارج كالسرطان يبيعون الوهم لمؤسسات لا تجد صوتا آخر.. أحزاب سياسية تذوب في معارك الداخل وأخرى بلا قدرات مالية.. والمصريون العاملون بالخارج لم ينضووا حتى الآن تحت لواء حزبى.

حملات نظام ٣٠ يونيو تركز كل جهودها على الرد.. لم تصل بعد إلى دور الفاعل.. تعيش كل مراحل المفعول به، والإخوان مصنع كذب يصعب مواجهته رغم امتلاكنا الحقيقة.. نمتلك الحق وهم على الباطل سائرون.. نتراجع نحن وهم يتقدمون.. ليس صحيحا أن الحق ينتصر دوما.. الباطل ينتصر في كثير من الأحيان بل ويكتب التاريخ.

الإخوان في ألمانيا استطاعوا تصدير معلومات مغلوطة.. معلومات لا تمت للحقيقة بصلة.. صوروا للبرلمان الألماني أن مرسي ورفاقه يحاكمون سياسيا وهذا غير صحيح.. قالوا إن كل هذه القضايا انطلقت بعد إسقاط حكم الإخوان وهذا غير صحيح.. قالوا إن برلمانهم تم حله بعد إسقاط الإخوان، والحقيقة أن البرلمان تم حله قبل ذلك وبحكم محكمة.. ماكينة الكذب منطلقة بأقصى سرعة ودراجة الحكومة بحاجة إلى منفاخ.

يقول الصينيون «نباح الكلب لا يعني أنه جيد»، وكلاب الجماعة تملأ سماء أوربا عويلا وضجيجا.. أصوات دبلوماسيينا هناك لاتكاد تغادر الجدران الأنيقة التي يسكنونها.. فضائياتنا اختارت أن تسير خلف «بوس الواوا وعفاريت الست المركوبة بالجن، وتقارير زنا المحارم وإعلام غطيني وصوتى ياللي إنتي مش غرمانة».

محليون في خطابنا.. محليون في تصوراتنا.. محليون في ردودنا لدرجة أن الهجوم الذي تلقاه رئيس البرلمان الألماني فاق كل الحدود والتصورات، غير أن الرجل لم يقرأ منه حرفا واحدا.. الإخوان يعقدون الجلسات داخل البرلمانات الأوربية والميديا في مصر تسحقهم في صحف توزع في القرى والمدن وتنال منهم على لسان أحمد موسى ولميس الحديدي.. ورئيس الوزراء مشغول بنوبتجية قسم دار السلام وزحام كوبرى دار السلام وذلك على اعتبار أن سيادته يسأل عن توك توك وإن عثر على كوبري دار السلام !!

على المصاطب وفي المقاهي وداخل استوديوهات الفضائيات يتحدثون عما يجب أن يفعله السيسي.. السياسيون والاقتصاديون والإعلاميون.. المحامون والفلاحون.. العمال والطلاب.. النساء والرجال يراقبون ماذا سيفعل الرئيس غدا.. لماذا فشل السيسي في كذا وكذا.. العقلاء والمجانين.. الكل ينتظر هيركليز السيسي.. الكل يردد دون وعي "فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ".

ولأن السيسي يقاتل منفردا فإنه يتحمل الخطأ منفردا، غير أننا وللحق لا نألو جهدا في إحباط الناس.. نعم نحن ماكينة الإحباط بلا منازع.. حتى الذين يظاهرون الناس بأنهم من رجال السيسي للأسف الشديد مجرد انتمائهم أو دفاعهم عن السيسي يصبح من المسحوب من رصيده وليس الإضافة.

نعود إلى مصنع الكذب الإخواني وسرجة النظام السيساوي.. المصنع ينتج الأشهى أمام الميديا الغربية.. صور.. فيديوهات.. تسريبات.. ونظام ٣٠ يونيو ينتج أيضا تسريبات.. تسريبات الإخوان طعنة في قلب مصر وتسريبات ٣٠ يونيو أيضا طعنة في شرف مصر وفي خصوصية المواطن.

هم يتحالفون مع الجميع لإحراج النظام وحرق النظام وحصار النظام، ونحن لا نألو جهدا في حرق أنفسنا.. هم يشعلون فينا النار هناك ونحن نشعل النار فينا هنا.

وحتى لا نسيء لألمانيا التي نحتفظ معها بعلاقات مهمة.. علاقات لم تبن في يوم من الأيام على فكرة السيد والعبد، علاقات يصر الجانب الألماني طوال تاريخه على اعتبارها ضرورية وتنطلق من الدور المصري في محيطه والدور الألماني في محيطه.. علاقات كانت دوما ألمانيا داعمة فيها للمواقف المصرية.. إذا أردنا ألا نسيء إلى هذا التاريخ فلابد أن نتفهم طبيعة المشهد السياسي في ألمانيا.

ألمانيا دولة أوربية.. تنتهج النموذج الديمقراطي سبيلا وتتشكل الحياة السياسية من أحزاب ترسم ملامح الفسيفساء السياسية المتباينة.. هذا التباين هو الأصل في عملية المشاركة، تباين لا يقصي ولا يهمش، وبالتالى فإن موقف رئيس البرلمان في النهاية هو موقف سياسي من قضية إنسانية.. هكذا هم يقفون ضد الإعدام.. يطالبون بكفالة جميع الحقوق القانونية للمحاكمات.. والسؤال: هل وصل صوت آخر لرئيس البوندستاج؟

هل فكرت مؤسسة مصرية في زيارة الرجل وتقديم وجهة نظر أخرى؟.. بالطبع لا.. وبالطبع لا يمكن أن نتصور أن ألمانيا كدولة ترفض زيارة السيسي.. ولا يمكن تصور أن البرلمان كله يسير على نفس النهج.. ألمانيا دولة كبري تديرها مؤسسات فاعلة.. ألمانيا صاحبة تجربة عريقة ومهمة لا يمكن تصور أن تحكمها ميركل وحدها، وأن ينفرد بها رئيس البرلمان.. هذا التباين هو أروع ما في النماذج الديمقراطية.
الجريدة الرسمية