قطعت ألسنتهم وشلت أيديهم
عندما تابعت ما ذكره المحامى فريد الديب، فى مقابلة مع قناة التحرير الفضائية عن أن الرئيس السابق مبارك يرى أن مرسى "الرئيس المنتخب وينبغى على الناس أن تلتف حوله"، زاد احترامى لأخلاق وقناعات مبارك، لأن أحدا فى مكانه وظروفه الراهنة كان له أن يفرح ويعبر عن الشماتة مما يحدث فى مصر، نتيجة ما عاناه من إهانة وذل ونكران فى شيخوخته.
الحقيقة أننى قارنت لا إراديا بين حكمة وأخلاق الرئيس السابق وبين ما يفعله أركان النظام الحالي، حيث الإصرار على السخرية والتهكم عند الحديث عنه ونعته بالديكتاتور المخلوع، فى حين أن مبارك تنحى طواعية وكان بإمكانه أن يحيل مصر بحر دم، أو أن يهرب مع أسرته، لكن لأنه عسكرى ومقاتل شجاع أبى أن يهرب مفضلا التخلى عن الحكم، لإدراكه أن الشعب لم يعد يرغب فى وجوده، ثم بقى فى مصر ليواجه مصيره أيا كان.
لست أدافع هنا عن الرئيس السابق، لأننى لم أكن من أنصاره لكن عندما كنت أنظر إلى عثراته وخطاياه أجد أن كفة إنجازاته هى الراجحة، ويكفى أن مصر فى عهده كانت تنعم بالأمن والأمان والاستقرار ومعدلات التنمية مرتفعة، ولم يكن هناك مجالا للفوضى والتخريب فى حين باتت الآن من الدول الفاشلة وشارفت على الانهيار التام، واستباح ساحتها الإرهاب وجميع أشكال المخابرات، ويلازمها "النحس" فى ظل حكم فاشى يقودها إلى الهاوية.
مبارك الذى وصم بأنه عميل، لم يوافق على وجود قاعدة عسكرية أمريكية فى البلاد، كما رفض توطين الفلسطينيين فى سيناء حين اقترح عليه ذلك جورج بوش الابن فى "شرم الشيخ"، وأصر مبارك على أن حل القضية الفلسطينية لن يكون على حساب السيادة المصرية، ومن بعدها أعلنت أمريكا عن مفهوم "الفوضى الخلاقة فى الشرق الأوسط الجديد".
أخذتنى المقارنة إلى بدايات الثورة، وتذكرت الحماس والاندفاع للتغيير والكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية، ورفض ممارسات وبطش الشرطة التى تنتهك حقوق الإنسان، حتى إن من اعتبروا أنفسهم "محفزات الثورة"، اختاروا يوم "25 يناير" لبدء الانتفاضة، استهجانا وسخرية من قرار مبارك باعتبار "عيد الشرطة" عطلة رسمية.
"محفزات الثورة" حشدوا المدن وصبوا البنزين على نار البسطاء والفقراء، وأحالوا البلد كتل لهيب حتى تنحى مبارك وتمادوا بعدها فى غيهم وكالوا الاتهامات والشتائم والإهانات للمجلس العسكرى والجيش الذى حمى الثورة وانحاز للشعب.
"محفزات الثورة"، تلقوا تدريبات على الحشد والتأجيج وإشاعة الفوضى وهدم أركان الدولة فى مؤسسات يمولها اللوبى الصهيونى فى صربيا وقطر وأمريكا والاتحاد الأوربى، ونالوا لقاء "خراب مصر".. مئات الآلاف من الدولارات وبعد أن كانوا حفاة عاطلين أو بسطاء كادحين باتوا من أصحاب الشركات والسيارات الفارهة والشقق الفاخرة، لكن أين هم مما يحدث فى البلد الآن إن كانوا حقا أرادوا الخير لمصر والكرامة والعدالة لشعبها؟!.. لماذا لا نسمع أصواتهم؟ هل أصابهم العمى والصمم أم قطعت ألسنتهم وشلت أيديهم؟!
أين صفحات "فيس بوك" التى عمل عليها "محفزات الثورة"، ليل نهار وجمعوا لها الملايين؟ أفلم يروا ما حدث مع الشهيد محمد الجندى من تعذيب أفضى إلى الموت، وقبله جيكا والحسينى أبوضيف وشهداء الميادين المصرية من الثوار الحقيقيين الذين قتلهم النظام وميليشياته، ألم يصلهم نبأ جرائم السلطة فى المنصورة وبورسعيد وسائر مدن القناة؟ ألم يسمعوا بالعصيان المدنى والمظاهرات التى تعم البلاد وخطف وقتل المعارضين، والسحل والتجريد من الملابس، والتحرش الجنسى لمنع التظاهر والاحتجاج على نظام حكم مستبد أضاع البلد؟
"محفزات الثورة"، الذين باعوا مصر ومن ساعدهم من الناعقين ينطبق عليهم قوله سبحانه وتعالى (لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل).
وأخيرا لن يهنأ العملاء، فقريبا يخلع الشعب الأبى حكم "الإخوان" وتحين ساعة حساب الخونة على الخطايا والتمويلات والجرائم المرتكبة فى حق مصر.