رئيس التحرير
عصام كامل

محطات في حياة «أمل دنقل».. «الجنوبى» لم يعرف عملا غير الشعر.. مقهى «ريش» مقره الدائم.. عاش مع زوجته «عبلة الروينى» متنقلا بين الفنادق.. صارع السرطان لأكثر من 3


تمثل الأماكن في حياة الشاعر أمل دنقل تحولات مؤثرة في حياته، أثرت على اشعاره فيما بعد، ففى البداية تنقل ما بين قرى المنيا، وولد بقرية "القلعة"، وترعرع هناك حيث كان والده يعمل مدرسا للغة العربية، ففي فترة الدراسة كان يقيم بالمدينة، حيث يعمل والده بالتدريس، وحين تنتهي الدراسة يعود أدراجه بأسرته المكونة من ولدين وابنة، أكبرهم "أمل" وأصغرهم أنس.


عدم الاستقرار في العمل
تتواصل الأماكن التي تعلقت في ذاكرة دنقل بين مسقط رأسه بمحافظة قنا مرورا بالإسكندرية والسويس وصولا إلى القاهرة، فبعد أن أنهى دراسته الثانوية في محافظة قنا رحل دنقل إلى القاهرة، وبها التحق بكلية الآداب ولكنه انقطع عن الدراسة منذ العام الأول لكي يعمل، ليعود إلى مسقط رأسه قنا ليعمل موظفا بمحكمة قنا، ولكنه كان دائمًا ما يترك العمل وينصرف إلى كتابة الشعر، ثم بعد ذلك يعمل موظفا بجمارك السويس ثم الإسكندرية ويترك العمل الوظيفى مرة أخرى.

ليعلن لنا بنفسه في آخر حياته أنه لا يصلح إلا للشعر فيقول: "أنا لم أعرف عملا لي غير الشعر، لم أصلح في وظيفة، لم أنفع في عمل آخر"، توصل أمل دنقل إلى ذلك قبل أفول نجمه بثلاثة أيام فقط.

مقهى "ريش" مقره الدائم
ولأن شاعرنا كتب عليه التعلق بالأماكن من خلال التنقل والترحال، فقد اتخذ مقرًا دائما بمقاهى وسط البلد مثله مثل معظم أدباء ومثقفى مصر أمثال نجيب محفوظ والشاعر نجيب سرور وغيرهم، وخاصة مقهى "ريش"، الشهير قبلة المثقفين في العصر الحديث بمصر، وإذا بالصحفية "عبلة الرويني" زوجة الشاعر فيما بعد تقابل دنقل في اللقاء الأول الذي جمعها به في أكتوبر العام 1975، في المقهى حيث كانت عبلة تنوي في بداية عملها بجريدة "الأخبار" إجراء حوار مع أمل، رغم معرفتها مسبقًا بصعوبة نشر هذا الحوار.

قصة حب
فنشأ فيما بين "أمل وعبلة" علاقة إنسانية حميمة، تتوج بالزواج عام 1978 ولأن أمل كان فقيرا، لا يملك مسكنا، ولا يملك مالا يعدّ به السكن تقبل "عبلة"، أن تعيش معه في غرفة بفندق، وتنتقل مع زوجها من فندق لآخر، ومن غرفة مفروشة لأخرى.
بعد زواجهما، باتا صديقَين لا زوجين، وخرجا على أشكال الزواج التقليدية، حيث أصبح الشارع بيتهما الذي يقضيان فيه جلّ وقتهما، وتصف عبلة علاقتهما الزوجية في كتاب "الجنوبى" قائلة: "كان الحب في داخله، وكان التصاقي الشديد به يُشعره كثيرًا بالقيد والتوتر والعبء النفسي أحيانًا، ولعل مرد ذلك إلى إحساسه العميق الدائم بأنه لم يمنحني راحة، أو أن الحياة ذاتها لم تمنحنا استقرارًا".

عنبر8
كانت المحطة الأخيرة في رحلة شاعر الترحال أمل دنقل في معهد الأورام بالقاهرة، وخصوصا في عنبر رقم 8 بالمعهد والذي ظل أمل يكتب الشعر في مرقده بالمستشفى على علب الثقاب وهوامش الجرائد، ولم يهمل الشعر لحظة حتى آخر أيامه، حتى إنه أتم ديوانا كاملا باسم "أوراق الغرفة 8".

صراع مع المرض
لازمه مرض السرطان لأكثر من ثلاث سنوات صارع خلالها الموت دون أن يكف عن حديث الشعر، ليجعل هذا الصراع "بين متكافئين: الموت والشعر" كما كتب الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي."

كانت قصيدة "الجنوبى" آخر ما كتبه أمل داخل المستشفى وراح الأصدقاء يرددونها، ورأى فيها النقاد الرؤى المكتملة والتي لابد وأن تفضى إلى النهاية، إلى الموت.

وكانت السطور الأخيرة للقصيدة تقول:
هل تريد قليلا من الصبر، لا.. إن الجنوبى ياسيدى يشتهى أن يكون الذي لم يكنه
يشتهى أن يلاقى اثنين..الحقيقة والأوجه الغائبة
لا تنتظرى أن يبتسم العابس... فالفارس ليس الفارس
تتوالى فصول العام على القلب الباكى.. لم يسترح عبر الأشواك سوى رؤياك
فعيناك الفردوسان هما الفصل الخامس.. عيناك هما آخر نهر يسقيه.. بيت يأويه
أريحيه على الحجر البارد.. كى يرتاح، فلقد سار طويلا.. وقضى حتى لا يفاجئه الموت...
قضى كملاك الحب الحارس....
الجريدة الرسمية