رئيس التحرير
عصام كامل

الهاربون من العريش.. عيب!!


بالحس الأمني الاعتيادي، أستطيع كمواطن أن أتوقع هجمة شرسة ضد القضاة عقب النطق بالحكم على قادة الإرهابية، وبذات الحس توقعت أن تكون الأجهزة الأمنية على قدر هذه المسئولية، وبنفس منطق الأشياء تصورت أن أجهزة المعلومات ستكون سباقة في توقعها لحادث اغتيال قضاة العريش.. وقع الخبر كان مذهلا على الجميع.. مستغربا حتى على أجهزة المعلومات، ومدهشا للناس الذين أصبحوا أكثر دراية بطريقة تفكير التنظيمات الإرهابية أكثر من الحكومة وأجهزتها.


المصاب مؤلم.. تنضم جماعة القضاة إلى جماعات الاستشهاد في وطن كانت تحكمه عصابة.. تستيقظ جماعة القضاة على حادث إرهابي ضد الوطن كله.. ضد عدالته.. ضد رمزه.. ضد ملاذه وحصنه.. ضد قيمه.. ضد منصته.. نجحت عصابة القتل في النيل من ثلاثة قضاة نحسبهم الآن في جنات عليين، ونحسب قتلتهم في خسران مبين بإذن الله.

لن أتحدث عن بيانات العزاء والنعي التي ذكرت شهداءنا من القضاة، متجاهلين شريف حسين السائق، ولن أتحدث عن بيان مجلس الوزراء الذي تحدث عن القضاة دون غيرهم، ولا عن الصحافة والفضائيات والمواقع الإلكترونية التي تحدثت عن شهداء ثلاثة من القضاة، دون الحديث عن الشهيد الرابع السائق شريف أحمد حسين!!

أتحدث عن أمر آخر أراه على نحو أعجب من العجب والصيام يوم العيد، ألا وهو القرار المزعج الذي اتخذ على عجلة من أمرنا، ألا وهو نقل محكمة العريش إلى الإسماعيلية.. القرار غريب وشاذ ومزعج، ويحمل مضامين من الخيبة والهزيمة والحسرة أكثر مما يحمل من الجهاد ضد عدو، إنما يريد أن يستفرد بسيناء.. قرار نقل المحكمة يعني أن الأجهزة الأمنية بكل ألوانها عاجزة عن حماية محكمة.. القرار معناه الهروب من انتصار التيارات الإرهابية.. القرار هو فرار القضاة من ميدان المعركة التي يخوضها الجندي على دبابته والضابط في خدمته والمواطن السيناوي الذي يحمل السلاح مضحيا بكل غالٍ من أجل تحقيق الانتصار.

قرار نقل محكمة العريش للإسماعيلية، إضافة إلى أنه عقاب للمواطنين أصحاب المصالح، فإنه انكسار وخزي وعار.. قتلانا شهداء وقتلاهم مجرمون.. شهداؤنا أبطال وقتلاهم إرهابيون حاصرهم الحق.. نقل محكمة العريش يعني تراجعا وهزيمة وخوفا ورهبة، وهو ما تسعى لتحقيقه قوى الشر.

غدًا يقرر مدير الأمن نقل مديريته وأقسامه إلى العريش.. غدًا ينتقل المحافظ إلى أحد أحياء الإسماعيلية.. غدًا يهرب المجلس المحلي الشعبي إلى إحدى ضواحي الإسماعيلية.. ومن بعده قد يهرب مستشفى العريش وأطباؤه وعلى المرضى الموت في طريق الإسماعيلية.. مديرية الزراعة والتموين ومرافق المياه والكهرباء كلهم قد يهربون إلى الإسماعيلية.. اتركوا سيناء نهبًا للإرهابيين.

اتركوها واهربوا.. هناك سيبقى المواطنون الذين يعانون ويلات الموت والقتل والتخريب والتفجير، ولم يهربوا ولم ييأسوا ولم يفقدوا الأمل.. هناك قبائل تحمل السلاح في مواجهة الخطر.. هناك شيوخ قبائل ذبحوا ولم يهرب ذووهم.. صمدوا.. جاهدوا ويجاهدون.. قاتلوا ويقاتلون.. لم يهرب التلميذ من مدرسته.. يذهب تحت القصف إلى فصله.. يزرع الأمل.

عودوا إلى رشدكم، فالهروب صفة الجبناء، والانسحاب مهارة المتخاذلين، والموت من أجل الوطن أمنية الأبطال.. عودوا أبطالا ولا تهربوا منكسرين.. أعيدوا المحكمة إلى العريش، فهروبكم لا يمت لتاريخ القضاء الشامخ في بلاد أحوج ما تكون إليه الآن لشجاعة أبنائها.

نقلا عن العدد الورقي..
الجريدة الرسمية