مصرنا ومصرهم !
اتهام المعارضة بالخيانة وعدم الوطنية لا يحدث إلا في الدول المتخلفة في الديمقراطية والتعليم والوعي العام.. وعادة ترتبط هذه الحالة بوجود شبكات فساد تستميت من أجل استمرار التخلف لأن الشفافية ستفضحها ولن تسمح بوجودها. وكلما كانت المعارضة في أي دولة قوية كان ذلك مؤشرًا على قوة النظام الحاكم ومتانة مؤسسات المجتمع.. وإذا ضعف النظام وترهلت مؤسساته كانت المعارضة هزيلة وشكلية ومجرد اسم فقط دون ممارسة فعلية.
هناك محاولات الآن لشيطنة الحياة السياسية والتجربة التعددية وتصوير الأحزاب على أنها مصدر البلاء ويقف وراء هذه الحملات أجهزة أمنية وشخصيات تشارك في صنع القرار ممن لا يؤمنون بالتغيير وحق الشعب في الحرية والديمقراطية.. وقبل كل ذلك لا يؤمنون بثورة 25 يناير ويعتبرون أنفسهم أصحاب البلد وأسيادها وأن مصر لا يحكمها إلا الحديد والنار وغيرها من الكلمات التي يتم الترويج لها بتخطيط وتدبير يستهدف إقناع البسطاء أن السياسة والأحزاب نوع من الرفاهية ولا تناسب مصر الآن ويجب التركيز في لقمة العيش ومحاربة الإرهاب.
ويتجاهل هؤلاء أن مصر لن تنهض اقتصاديًا وتنجح في دحر الإرهاب دون مشروع سياسي حقيقي تقوم عليه التجربة الجديدة لبناء دولة حديثة إذا كانت هناك إرادة جادة لذلك، وإذا كانت الأحزاب الحالية مجرد كيانات شكلية.. وإذا كانت النخبة السياسية الآن ضعيفة وعشوائية فالعيب ليس في المشروع السياسي نفسه ولكن في الأنظمة الفاسدة التي حكمت البلاد طوال العقود الأخيرة فأفسدت الحياة الحزبية عن عمد وأفرزت نخبة فاسدة بالتبعية.
أصحاب المصالح وأركان الدولة العميقة يريدون العودة بمصر لعصور الظلام والديكتاتورية حتى يقتلوا الانتماء في نفوس المصريين.. ويزرعون اليأس والإحباط والاستسلام في وجدان جموع المواطنين وبذلك يهيئون لأنفسهم البيئة المناسبة لنهب ثروات البلاد دون أن يحاسبهم أحد ويتربعون فوق المناصب ويورثونها لأبنائهم ولا ينافسهم أحد.
هذه هي مصر التي يريدونها لأنفسهم "وأنفسهم فقط" لكن نحن نريد وطنًا لكل أبنائه ولن يتحقق ذلك بغير حرية التعبير واحترام حقوق الإنسان ووجود أحزاب قوية ومنظمات مجتمع مدني تعمل بحرية.