الالتزام والضمير والرزق
لا أستطيع أن أصف شعوري من القلق عندما يتم التعاقد مع أحد لإنجاز مهمة أو تنفيذ مقاولة أو أي من الأعمال التي ترتبط بالثقة في الوعود إذ عليك أن تتوقع السوء دائما قبل أن تتوقع الحسنى تتوقع ألا يلتزم معك الفرد بالعهد والوعد قبل أن تتوقع التزامه به.
إن القصص التي نسمعها يوميا عن قلة الضمير كثيرة إلا أنه مع معاملاتنا أيضا نلاحظ ذلك دون أي تجميل فالوضع الحالي للضمير وصل إلى أدنى درجاته والذي يتجلى ذلك في بداية التعاملات بالوعود والعهود والعشم والمودة وتنتهى بالعداء لأن توقعات الأطراف في بعضها البعض لا تحكمها أي معايير للالتزام وإنما تحكمها أغراض غير منظورة تفرض كأمر واقع.
سمعة الإنسان هي الالتزام بوعوده التي ترتب عليها التزام الآخرين تجاهه وبالتالي فإن عدم التزام الفرد بما تم التعاقد عليه يكلف الآخرين كثيرا وتنال من صورتهم علاوة على نظرتهم تجاه المجتمع أنه مجتمع تنعدم فيه الأمانة وهو ما يمنع الفرد من اتخاذ أي قرار في المعاملات إلا بعد الاحتياط وأن اتخذه لابد أن يتخذه بكل حرص وقلق علاوة على سوء سير الأمور الناتجة عن عدم تناسب توقعات الأطراف وعدم الثقة فيما بينهم وهو ما يؤول في النهاية إلى توقف الأعمال.
لن أقول إنه لابد أن يكون هناك خوف من الله الذي أوصانا باحترام العهود والوعود لأن الأساس هو أن يخاف الناس من الله وإنما أقول إن صورة الإنسان أمام الناس لا تحكمها ملابسه ولا أقواله بذكر الله ولكن تحكمها علاقاته أولا فالدين المعاملة وليس الدين أن نتدين في الظاهر وفي الباطن نتناسى الله لأغراض الحياة ومفهوم "أن العيش وسط الذئاب يفرض عليك أن تكون ذئبا أيضا ".
عند غياب هذه المعايير يبقى للفرد خيارا وهو اللجوء إلى عنصر القوة يكن قادرا على السيطرة ووضع معايير المعاملات لضمان الالتزام إذ لابد أن نبحث في كل معاملة عن وسيط قوى لفرض المعايير التي تاهت منا وهذا الوسيط يضمن سلامة الأمور.
أن أردت أن يزيد رزقك فاتبع سبيل الله في الالتزام والأمانة يؤتك الله الخير من اتباعك هذا السبيل وإن اتبعت السبل الأخرى فلا تلومن إلا نفسك إن تناقصت الأرزاق بك فمن سيعاملك مرة لن يكررها لك فلك أن تفاضل بين من يبقى معك لتكون الأعمال مدى الدهر حتى وإن كانت هوامش أرباحك قليلة عن أن تقوم باقتناص الفرصة وتحقق هامش ربح كبيرا لتنقطع العلاقة وتبقى السمعة بين الناس هي الباقية.
ادعو الله أن نرى الضمير والأمانة والالتزام بين الناس مرة أخرى حتى لا نصبح مجتمعا طاردا لمن يحملون هذه الصفات.