رئيس التحرير
عصام كامل

إسفاف الإعلانات..«أنا بضيع يا وديع».. بعض مخرجي الإعلانات يعتمدون بشكل أساسي على العري والابتذال والإيحاءات المكشوفة.. وإعلانات المنشطات أصبحت تذاع بشكل فاضح وصريح


الإعلان أصبح مهنة من لا مهنة له، فليس شرطًا أن تكون دارسًا لقواعد فن الإعلان وطرق تقديمه وما هو المناسب لقيم المجتمع وما يتنافى معه بل كل ما تحتاجه هو «كوكتيل» من خلع الهدوم على بعض الكلام المكشوف مع «موديلز» يتراقصن بملابس شبه عارية لتثير غرائزك بإيحاءات جنسية وألفاظ بذيئة لجذب انتباهك لترويج بضاعة ربما لا تحتاج إلى كل ذلك، إلا أن الأمر بات سبوبة بين المعلن والمخرج والقناة التي يعرض فيها الإعلان حتى وصلنا إلى إعلانات تروج عن سلع مغشوشة وأدوية غير مصرح بها في تحدٍ صارخ لدولة القانون، وأصبحت الساحة الإعلانية هي خير تعبير عن مصطلح «سداح مداح» فالمعلن بات يعمل دون رقيب أو ضوابط، وذلك كفيل بتحطيم كل القيم وهدم الأخلاقيات، فضلا عن إطلاق فضائيات إعلانية لا تخضع لأي قانون.


مدام رشا
لم يكن أكثر المتشائمين يتوقع أن يكون جمال أشرف مروان حفيد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، طرفًا في هذا النوع من الإعلانات على قنواته الخاصة «ميلودي»، إلا إذا اعتبرنا الأمر هو انتصار لمبدأ السوق و«الجمهور عايز كده» وانكسار المبادئ والقيم تحت سطوة بريق المال.

فقد طلت علينا قناة «ميلودي» الخاصة بإعلانات التنويه عن الأفلام العربية التي تعرضها على قنواتها والتي تدور بين تهامى باشا المنتج الفهلوى بتاع الستات «أيمن قنديل وهو خريج شريعة وقانون جامعة الأزهر» ووديع المخرج «أمجد عابد» وما تتضمنه من خدش متعمد لحياء المشاهدين من خلال كلمات خارجة ومسفة من نوعية «أيوه كده يا وديع.. أخيرا فهمت، أنتِ هتبقي نجمة الموسم وكل موسم» وهي الجملة التي صرخ بها أمام «مدام رشا» وهي تخلع ملابسها أمام المشاهدين لتستلقي على الكنبة وتغمز للمنتج بطريقة تحرك غرائزه في تجسيد لفيلم «تيتانك» ثم أتبعها بجملة «سيبلي مدام رشا شوية» حينما هم الجميع بالخروج، وكثير من الجمل الأخرى على مدى الحملة التي كانت تحمل الكثير من الفجاجة مثل «هتموتوا الصاروخ ليه؟!.. ده يبقى فيلم زبالة»، «الرجالة دي مش لابسة بنطلوناتها ليه يا وديع».

يا هوووووووه
«فتاة جميلة ممشوقة القوام تتبختر في الشارع ببطء وهي تتناول علبة عصير بطريقة مثيرة مع تعمد رصد مفاتن جسدها من خلال ملابسها الفاضحة وإيحاءات جنسية عندما تمر الفتاة على عدد من الرجال منهم يبدي انبهاره بجمالها تارة بالعين وأخرى بحركة اللسان والجميع يردد اسم العصير بطريقة مثيرة بها الكثير من المط والتطويل المتعمد: يا هوووووووو!».

هذا هو ملخص إعلان عن علبة عصير لم يجد صانعوه محتوى غير جسد فتاة يقومون بعرضه على الناس بطريقة فجة ومثيرة وجدت طريقها إلى كل بيت دون مراعاة أن أطفالًا أو مراهقين ستقدم لهم تلك البضاعة الرخيصة على جسد فتاة وفي النهاية نسأل عن أسباب التحرش والانفلات الأخلاقي.

«هي سايبة»
فتاة أخرى تقف أمام متجر وبعد أن تشتري بضاعتها من التاجر يقول لها «أوصلك» ترد بطريقة مثيرة «ليه هي سايبة»، في إشارة إلى أن الحلاوة الطحينية أصبحت مغلفة ولم تعد سائبة، ورغم ما يحتويه الإعلان من إيحاءات فإنه وجد طريقه إلى البيوت عابرًا كل الحواجز التي يضعها الآباء والأمهات حتى لا تصل كلمات مثل هذه إلى مسامع أولادهم، خاصة بعد أن فقد صانعو الإعلانات أي رادع أخلاقي وباتوا يتوسعون في استغلال جسد المرأة أو براءة الأطفال.

بجنيه واحد لكل واحد!
يدخل شاب يمتلئ نشاطًا وحيوية وتبدو على محياه الوسامة والأناقة على زملائه الموظفين المهمومين فمنهم من يضع يده على خده والآخر تبدو عليه الكآبة في إشارة إلى أن الهم يمنعهم من ممارسة السعادة والحب، فيسألونه عن سر نشاطه وقوته فيقول لهم إنه الفنكوش ويخرج من جيبه قطعة شيكولاتة فيستغرب الجميع فيقول لهم إن الفنكوش هو سر السعادة، وهو في متناول اليد حيث إن الحبة الواحدة بجنيه «واحد لكل واحد» والجملة الأخيرة يقولها بغمزة عين يعيها اللبيب الذي يفهم بالإشارة، هذا هو ملخص إعلان فاجأ المصريين واقتحم بيوتهم دون استئذان، فمنهم من فهم الإشارة بأنه منتج جنسي لكن زعم أن صاحبه اختار طريقة محتشمة فلم تقدمه فتاة مرتدية قميص نوم وهي مستلقية على السرير في حالة غضب بجوار زوجها الذي تبدو على محياه علامات العجز، حيث يضع يده تحت ذقنه ويكاد يموت كمدًا، ومنهم من لم يفهم الإشارة وظن أن الأمر هو مجرد شيكولاتة وحسب، وهنا أتت المصائب حيث طالب بعض الأطفال آباءهم بأن يحضروا لهم شيكولاتة الفنكوش ومنهم من تطوع من تلقاء نفسه وبعيدًا عن رقابة الأهل اشتراها باعتبارها شيكولاتة ولا تزيد عن أي شيكولاتة أخرى وكانت المفاجأة هي ظهور أعراض غريبة وخطيرة على هؤلاء الأطفال بعد تناولها فبعضهم أصيب بتوتر الأعصاب وارتفاع ضغط الدم، وبعد الفحص تبين أن الشيكولاتة تحتوى على منشطات جنسية وأن الفنكوش به سم قاتل، وانهالت الانتقادات على وزارة الصحة التي تتقاعس عن القيام بدورها بوقف هذه المهزلة فإعلانات الفنكوش وغيره من المنشطات الجنسية مجهولة المصدر تملأ الفضائيات دون رقيب، والمنشطات مجهولة المصدر تنتشر على المقاهى والطرقات بل في بعض محال البقالة في ظل غياب كامل لأجهزة الدولة التي لم تعر الأمر اهتمامًا ولم توقف هذه الإعلانات ولم تسحب هذه المنتجات من الأسواق ولا حتى قامت بحملات إعلامية لتوعية المواطنين بمخاطر هذه المنشطات الجنسية مجهولة المصدر.

خليك طبيعي
لا تخلو قناة فضائية مصرية الآن من إعلانات المنشطات الجنسية وبعضها يتكرر كل خمس دقائق مع إيحاءات وأحيانًا كلام صريح عن زيادة الطول والحجم والمساعدة على أن تكون شخصًا طبيبعًا مع صور مصاحبة لكلام الإعلان من نوعية رجل ذى شارب منخفض وبمجرد تناوله المنتج يرتفع الشارب أو مسمار به اعوجاج يعتدل أو طرق مسمار في الحائط مع ابتسامة الزوجين في دلالة على أن من يستخدم المنشط يشعر بالسعادة وبدونه يعوج المسمار ويسقط.

الجميع يطالب بميثاق شرف إعلاني خاصة أن الإعلان أصبح وسيلة جذب تصل كل بيت ويقوم بالتأثير في الأطفال والمراهقين وإن لم يكن صادقًا أو جاء مبتذلًا خادشًا للحياء، فلابد من أن له عواقب وخيمة وتأثيرًا بالسلب في سلوكياتهم ويزيد من حالة القبح التي باتت تضرب مصر الآن كوحش كاسر، وعلينا جميعًا أن نخرج من مستنقع العفن الذي تسببه إعلانات السرير وقمصان النوم التي لا تجد غير جسد النساء للتسلق عليه والوصول إلى المشاهدين لعرض بضائعهم، اللافت أن النائب العام السابق كان أصدر قرارًا بحجب بث الإعلانات الخادشة للحياء ولكنه لم ينفذ.
الجريدة الرسمية