رئيس التحرير
عصام كامل

فن صناعة اليأس!


لا يوجد في هذا العالم ما هو أسوأ من صناعة اليأس وتصدير الإحباط والتفنن في كسر الهمم وتحطيم العزائم.. فإذا أردت أن تنسف حاضر ومستقبل أزهى المجتمعات اجعل اليأس مشاعا بينها.. فكفى به حسيبًا أن يُحَيد بينها وبين قوانين التطور.. وفلسفة تنقية الإنسان من رذائل أفكاره وموبقات أعماله !


وتصدير اليأس في المجتمع المصري يبدو وكأنه فقه محبب..إرث نفسي.. وشعائر وطنية لا بد من تأديتها وفق قوانين مجتمعية لا ريب فيها.. فلا يكاد يمر يومًا عليك وبقليل من التأمل في علاقات الناس وبعضهم البعض.. ليزيد اقتناعك أننا في واحة مُحنطة بالأفكار السلبية الرديئة !

وقبل أن تختزل القصة وما فيها عند حدود الأسبوع الماضي.. وتتأمل حكاية القضاء وابن عامل النظافة الذي يرونه فرزا ثانيا من البشر لا يجوز له التمدد على مِقعد القاضي المحجوز للنبلاء وأبناء الطبقات الراقية. وكأن القضاء فجأة أصبح وبمعزل عن الجميع عليه تحمل أوزار ثقافة طبقية متأصلة.. ووحده الذي يُحرم اختلاط العامة بأبناء "الدم الأزرق" المُخول لهم دون غيرهم تولي الوظائف العامة المرموقة في البلاد بغض النظر إن كانوا مؤهلين علميًا..وفكريًا..وفنيًا..ونفسيًا أم لا.. المهم أن الطبقية هي المعيار.. وإليها الحكم والنوى.

عليك أن تتمهل.. ولا تُحمل رجلًا لم يرد أن يلوي عنق الحقيقة.. أو يتملق عامة الناس بما لا يراه فيهم.. وبما لا يستطيع أن يُقدمه لهم..لأن المشكلة ليست في أنه خاطب مجتمعًا يزيد فقراؤه على ثلاثة أرباعه.. بما جعلهم ينتفضون وجعًا وغضبًا من جراء الإهانة التي وجهها لهم من جاءت به الحكومة ليكون حارسًا..مقاتلا..أمينًا..على إفشاء العدل بينهم. ومع ذلك فإن نجاحهم بالفعل في إزاحته عن سلطته لم يثنه عن تصريحاته.. بل خرج الرجل من منصبه مُؤمنًا عليها وزادها تمسكًا وتبعه في ذلك مناصب قضائية مرموقة تمسكت بكلام الرجل.. ورأته عين العقل والبصيرة !

بل المشكلة الحقيقية أن القضية حركت أنامل اليأس ورسخت في نفوس الأجيال الشابة التي كانت حتى وقتٍ قريب مُتمسكة بما تبقى من أحلام ثورية..حتمية التسليم برفع رايات الإحباط.. والتماشي والتعايش بعيدا عن "الوسواس" الذي طاف بمخيلتهم يومًا عن أحلام العدل الاجتماعي.. وشيوع مبادئ احترام الجميع للحقوق والواجبات!

والكارثة الأكبر تكمن في تباطؤ السلطة في سن آليات واضحة لا لبس فيها.. لتدعيم ثقافة العدل الاجتماعي بمجتمع يسعى أصحاب النفوس المريضة لتجريفه تمامًا.. حتى لا يكون أمامه إلا خوض المعارك على الفيس بوك لتأييد أو رفض.. صراع الوزير وابن عامل النظافة !

تجفيف منابع اليأس ومحاربة الفقر والجهل الذي تأصل من جراء تمييز تفشي في مجتمع كان دومًا حامل لواء الحضارة والتقدم.. لن يأتي بنفس الممارسات القديمة المترهلة والتي تتلخص في إبعاد مسئول لم يتحل باللؤم والتمييع بما يجعله يخرج علينا بتصريحات وردية.. لا هدف من خلفها ولا مَكسب يذكر.. إلا التفخيم والنفخ في ذات الشعب المصري الجريحة !

لم يَعد من اللائق لسلطة جاءت من رحم المعاناة لتنقذ للشعب ثورته ممارسة نفس سياسة المسكنات البغيضة في التعامل مع أمراض طَحنت المجتمع وقطعت أوصال مفاهيم العدل بين أبنائه.. فاليأس لن يكون آخر مراحله النسيان.. كما يتصور المؤلفة قلوبهم.. وأصحاب المصالح وذوو السلطان.

قبل أن يأتيكم الطوفان..احذروا.. الغضب آتٍ لا ريب فيه ولن يرحمنا من الهلاك إلا التمسك بأسمى مفاهيم العدل والرحمة.. فالقيم الإنسانية ليست حكرًا على أحد.. وإنا لله وإنا إليه راجعون.
الجريدة الرسمية