متى نصرخ ألمًا من الفساد والمرض
في الحديث الشهري للرئيس عبد الفتاح السيسي للشعب، تكلم عن فساد الجهاز الإداري للدولة، فأنا على المستوى الشخصي ألاحظ أن كل ما هو حكومي فاسد، والفساد جاء بالاعتياد عليه وليس بالتعمد، فالشكل يدل بالتأكيد على المضمون، فعند تعاملك مع أي جهاز حكومي انظر إلى الروتين والمعاملة وضياع الوقت هباءً في قضاء مصلحة يمكن قضاؤها في وقت وجيز بالمقارنة بنظيرها في القطاع الخاص.
فعلى سبيل المثال، عندما يجتمع المدير مع موظفيه في أي شركة محترمة بالقطاع الخاص، يهتم هذا المدير بتوقيت بدء الاجتماع، وحتمية أن يكون هو وموظفوه "فورمال" - ارتداء البذلة للرجال - ويحدد جدول أعمال الاجتماع ومدته، وآليات تنفيذ ما أسفر عنه الاجتماع، ومن هنا يجيء الإبداع والتطور.
ولكن تعال معي.. لن أقول لك في شركة للقطاع الحكومي، ولكن اجتماع لأساتذة الجامعة، فتجدهم لا يهتمون لا بالشكل ولا بالمضمون، وبالتالي لا تجدهم يهتمون لا بالإبداع ولا المبدعين، كل منهم يبحث عن مصلحته الشخصية، وهم المنوط بهم تطوير المناهج داخل الجامعة؛ لتخريج طالب يحتاجه سوق العمل بالفعل.
فأنا لا أعيب لا على الموظف الحكومي ولا على أستاذ الجامعة الحكومية، ولكن التطور والإبداع عمل جماعي يحتاج إلى إستراتيجيات متجددة باستمرار طبقًا لتغير الظروف.
فانظر إلى المحليات والمخالفات في البناء، والاستيلاء على الأراضي ووضع اليد، وانظر معي على المحال والمقاهي التي تحتل الشوارع وبدون ترخيص، والباعة الجائلين، وبالتالي ما يترتب عليه من مشاكل المرور، وكذلك مصانع الأغذية الفاسدة، ومحال بيع المأكولات وما تحتويه من جميع أنواع التلوث، ومياه الشرب وتلوث النيل، وكل هذا وتطلب من وزارة الصحة إيجاد دواء للسرطان والفشل الكلوي وعلاج الكبدي الوبائي، وجودة العلاج داخل المستشفيات.
بالطبع مستحيل؛ لأن الفساد عبارة عن حلقات متداخلة، إن كانت الحلقة الأولى فاسدة فستجر باقي الحلقات إلى اتجاه الفساد، ويصبح الكل فاسدا حتى لو أبدع البعض.. فالفساد متوالية هندسية، والتحضر أيضا متوالية هندسية، فإما الكل فاسد أو الكل مبدع.
وتبدأ الحكاية من التعليم الأساسي الجيد لخلق مواطن مبدع نظيف متحضر، وبعدها ستسير المتوالية تلقائيًا نحو التحضر.
وهناك أبواق إعلامية لا تملك غير الكلام وتصدير القبح للجماهير؛ لجلب أكبر نسب مشاهدة، وعندما اتجه الصحفيون إلى الإعلام فسد الإعلام؛ لأن المذيع والمحاور غير مسموح إعلاميا أن يعبر عن رأيه، ولكنها أصبحت هكذا، وكما كل شيء أخذ مفهوما جديدا فاسدا.. كان الإعلام من أكبر الأجهزة المشجعة على الفساد، مع أنها تكشف الفساد والفاسدين، ولكن ما بين الأبيض والأسود مساحة رمادية يضيع فيها كل شيء جميل.
وهناك أبواق إعلامية لا تملك غير الكلام وتصدير القبح للجماهير؛ لجلب أكبر نسب مشاهدة، وعندما اتجه الصحفيون إلى الإعلام فسد الإعلام؛ لأن المذيع والمحاور غير مسموح إعلاميا أن يعبر عن رأيه، ولكنها أصبحت هكذا، وكما كل شيء أخذ مفهوما جديدا فاسدا.. كان الإعلام من أكبر الأجهزة المشجعة على الفساد، مع أنها تكشف الفساد والفاسدين، ولكن ما بين الأبيض والأسود مساحة رمادية يضيع فيها كل شيء جميل.
لا يمكن أن يأتي رئيس ينقل المجتمع من النقيض للنقيض، إلا إذا كان هذا المجتمع قابل للتغيير بالفعل، ولكن الشعب مريض واعتاد على المرض، ويرفض العلاج خوفًا من الموت بالعلاج لا من المرض.. شيء مضحك ولكنها الحقيقة، فعندما يعتاد الشخص على المرض فهو لا يتألم منه؛ لأن جهازه الحسي فسد، فهو مريض ولكنه لا يشعر بمرضه؛ لأن جهازه الحسي لا يستصرخه ألمًا.
وفي النهاية، لا بد أن أستثني بعض الجهات مثل الشرطة والقضاء، وبعض المدارس حتى لو كان هناك فساد فوجود إستراتيجية ومراقبة تجعل الفاسدين يدورون في نظام، ففسادهم لا يؤثر على هدم المؤسسة، لذلك تجد الإخوان ونظائرهم يريدون هدم هذه المؤسسات حتى يتسنى لهم التحكم في مفاصل الدولة.. فمتى نصرخ ألمًا من الفساد والمرض..
فلك الله يا مصر حماك الله ورعاك..