رئيس التحرير
عصام كامل

الهيبة.. أجمل تمثال يعود للقاهرة


هل جربت أن تتمشى بشوارع القاهرة خلال أسبوع مضى؟ إن كنت تخشى التجربة فإني أوصيك بها.. القاهرة تتغير.. تتحرر.. تتشكل من جديد.. ملامح الفوضى أقل بكثير.. رجال المرور لا يتقاضون الرشاوي للركن في الممنوع.. وآخرون يحرسون الهدوء.. لن تترك سيارتك مهما كنت.. لن تطرح سلعتك الرديئة ومعها صوتك الأجش يطارد الناس.. شوارع البورصة عاد إليها الهدوء الذي تصورناه قد انتحر عقب سنوات الثورة وما بعدها.


عصابات القلق لم يعد لها مكان.. أباطرة الكيف اندثروا.. بنات الهوى اختفين.. لم تعد البضاعة الصيني تطاردك في الشوارع.. يمكنك الآن أن تتمتع بروعة شارع قصر النيل وفى شارع الشواربي.. لن يطاردك الباعة من غليظي الصوت والدم، ومنه تصل إلى شارع عبد الخالق ثروت.. تمشي على الرصيف.. تتناول وجبة كشري، وغلفه بالآيس كريم.. خذ أسرتك واستمتع فلن يهددك أحد.

جهاز الشرطة ومسئولو المحافظة عندما أرادوا فعلوا.. فقط توفرت الإرادة والمتابعة الجيدة فعادت بعض ملامح العاصمة.. رغم زحام الناس إلا أنه يمكنك الاستمتاع.. تجول حتى تصل إلى عمارة الإيموبيليا.. تستطيع الآن أن تملي نظرك منها.. على مقربة منها طالع عمارة وهبة.. امضِ إلى شارع ٢٦ يوليو حتى تصل إلى عمارة أفريقيا ذلك البناء العظيم في عمارته.. عد مرة أخرى لتطالع شارع الألفي.. حاذر أن تدخل إلى الشوارع الجانبية فإن الأمن لم يصل بعد إلى هناك ولكن الدور قادم.

ربما تؤذيك مناظر المتسولين.. لا تتعاطف وامنح أموالك لمن تعرف.. لا تعطِ محتالاً فتحرم محتاجًا.. طالع قصص المتسولين في الصحف.. المحتاجون أكثر عفة من هؤلاء الذين اتخذوها طريقًا للنصب ومنهجًا للكسب السريع.. للربح غير المشروع.. لاستغلال عاطفة الناس.. للعزف على أوتار إنسانية المصرى البسيط.. إذا أردت المنح فامنح من تعرفهم.. أهلك.. جيرانك.. معارفك أو توجه إلى حسابات المستشفيات والدور الاجتماعية.

أين وصلت ؟.. هل رأيت دار الإذاعة بالقاهرة.. المبنى العتيق الذي قهرته أيادي عصابات الإهمال وأحاطه قياصرة الفوضى.. الآن يمكنك أن تملي عينيك وتستعيد جزءً من تاريخك المثير.. من هنا عزفت الموسيقى ومن هنا وصل الصوت المصري إلى كل أرجاء الدنيا، ومن هنا حررنا أوطانًا كانت ترزح تحت نير الاحتلال.

لا تزر الحسين الآن.. الجمالية بكل ما فيها لا تزال ترزح تحت وطأة الفوضى.. بعض المقاهي تحرسها آفة الغلظة والبلطجة.. كن حريصًا إن غامرت وقررت زيارة سيد شهداء أهل الجنة.. كل مواطن الضعف والعبوس واللصوصية ستحاصرك.. لا تغامر وإن كنت على يقين أن يد الأمن ستصل يومًا إلى هناك.

ما حدث لشوارع القاهرة ليس مجرد تحرير من القبح وإنما هو أبعد من ذلك بكثير.. إنها العودة الحقيقية لهيبة الدولة التي فقدناها على مدى سنوات طويلة.. وعودة الهيبة تفرض علينا أن ندافع عن صناع الهيبة في صورة مجند يقف منتصبًا لمواجهة الفوضى أو ضابط يمر بسيارة الشرطة لضبط الأمور وقبل هذا وذاك.. نرجوكم لا تفسدوا ما أصلحته الإرادة.
الجريدة الرسمية