المشهد المصري الراهن.. وخيارات المستقبل ؟!
تتعدد القوى الفاعلة في المشهد المصرى الراهن، لكننا يمكن حصرها في ستة قوى رئيسية أمام كل منها عدة خيارات مستقبلية، سنحاول من خلال هذا المقال تفكيك المشهد الراهن لكى تتضح الخيارات والفرص أمام كل قوى موجودة داخل هذا المشهد، ثم نعود لتركيب المشهد من جديد لتتضح الصورة وتبرز أمامنا سيناريوهات المستقبل، وفى البداية يمكن حصر القوى الفاعلة في: السلطة السياسية – جماعة الإخوان – جماعة مبارك – القوى الثورية – القواعد الشعبية – الأطراف الإقليمية والدولية.
إذن السلطة السياسية هي القوى الأولى في المشهد المصرى الراهن وأمام هذه القوى ثلاثة خيارات رئيسية هي: الحفاظ على إرث مبارك – الانتصار للثورة وإحداث تغيير جذرى – اللجوء لطريق الإصلاح التدريجى. ويتضح من قراءة المشهد حتى اللحظة الراهنة أن السلطة السياسية تتأرجح بين الخيار الأول والثالث وتبتعد خطوات عن الخيار الثانى فرجال مبارك مازالوا في المشهد ومازالوا هم القوام الرئيسى للحكومة الراهنة وإن حاولوا إحداث بعض الإصلاحات التدريجية لكنها إصلاحات لا ترقى إلى مستوى تحقيق طموحات الفقراء والكادحين الذين رفعوا شعار العيش والحرية والعدالة الاجتماعية في 25 يناير و30 يونيو وحتى الآن. واستمرار السلطة السياسية في الابتعاد عن الخيار الثانى المتمثل في الانتصار للثورة سيدخلنا حتما في موجة ثورية جديدة وسيستمر سيناريو الفوضى وعدم الاستقرار لفترة طويلة قادمة.
وتأتى جماعة الإخوان باعتبارها القوى الثانية في المشهد المصرى الراهن وأمام هذه القوى ثلاثة خيارات أيضا هي: إلى الأمام والاعتذار عن الفشل وإعادة النظر في تجربتهم والاندماج مرة أخرى في المجتمع بعد مصالحة يتم على أثرها معاقبة من أخطأ – إلى الخلف وخوض مواجهة مفتوحة مع المجتمع والدولة والسلطة السياسية – في المكان وإتباع مبدأ التقية والعودة مرة أخرى لعقد صفقات وتحالفات مع الدولة والسلطة السياسية. ويتضح من قراءة المشهد حتى اللحظة الراهنة أن الخيار الثانى هو الطريق الذي تنتهجه الجماعة، مع أننا لا نستبعد الخيار الثالث الذي تجيده الجماعة تاريخيا.
أما جماعة مبارك فأمامها ثلاثة خيارات هي: الابتعاد عن المشهد والاكتفاء بما سرقته ونهبته خلال الثلاثة عقود الماضية – الاستمرار في المشهد وعقد صفقات مع السلطة السياسية والضغط عليها بكل الطرق والوسائل من أجل الحفاظ على نظامها – تقديم تنازلات والموافقة على الإصلاح التدريجى بأن يحل الصف الثانى من هذه الجماعة محل الصف الأول. ويتضح من قراءة المشهد حتى اللحظة الراهنة أنهم يتأرجحون بين الخيارين الثانى والثالث. وبالطبع الابتعاد عن الخيار الأول سيدخلنا حتما في موجة ثورية جديدة.
وتأتى القوى الثورية بخيارات ثلاثة هي: التحالف مع السلطة السياسية والصبر عليها وانتظار ما ستسفر عنه المعركة مع جماعة الإخوان وجماعة مبارك – السعى لعقد صفقات مع السلطة السياسية لدخول الانتخابات وحصد مقاعد البرلمان ليصبحوا شركاء في الحكم – العودة مرة أخرى للميادين. وبقراءة المشهد حتى اللحظة الراهنة يتضح أن القوى الثورية تتأرجح بين الخيارين الأول والثانى، مع أننا لا نستبعد الخيار الثالث في حال ما لم تتمكن السلطة السياسية من حسم معاركها مع جماعة الإخوان وجماعة مبارك فتتأكد القوى الثورية من استحالة تحقيق أحلامها وأحلام القواعد الشعبية.
أما القواعد الشعبية فدائما ما يكون انحيازها هو المرجح لمن سيكسب المعركة، وأمامها خياران لا ثالث لهما: التحالف مع السلطة السياسية والصبر عليها حتى تحقق مطالبها في إسقاط النظام وتوفير العيش والحرية والعدالة الاجتماعية – الإحساس باليأس من تحسن أوضاعها والكفر بالسلطة السياسية وبالتالى العودة للميادين. وبقراءة المشهد حتى اللحظة الراهنة فالخيار الأول هو ما تتبعه القواعد الشعبية. لكن استمرار السلطة السياسية في الحفاظ على إرث مبارك واللجوء للإصلاح التدريجى سيدفعها حتما إلى العودة مرة أخرى للميادين.
وتأتى الأطراف الإقليمية والدولية دائما باحثة عن من سيحقق لها مصالحها وأمامها دائما خياران: الأول محاولة التفاهم مع السلطة السياسية – محاولة الضغط عليها ودعم القوى المعارضة بالداخل لزعزعة الأمن والاستقرار. وبقراءة المشهد الراهن فمازالت خيارات القوى الإقليمية والدولية تتأرجح بين الخيارين فهناك من يؤيد ويدعم السلطة السياسية ويتفاهم معها لتحقيق مصالحه، وهناك من يدعم جماعة الإخوان وجماعة مبارك لاستمرار الفوضى والاضطرار لتنفيذ الأجندة الخارجية. وبقراءة المشهد في اللحظة الراهنة نجد أن الخيار الأول هو الأقرب للتحقيق خاصة وأن السلطة السياسية حتى اللحظة الراهنة مدعومة شعبيا وهو ما يقلل من فرص القوى الإقليمية والدولية في استخدام الخيار الثانى، لكن استمرار هذا الخيار الأول يتوقف على نجاح السلطة السياسية في استمرار الحفاظ على الدعم الشعبى الذي لا يمكن أن يدوم إلا بتحقيق مطالبها المشروعة بإسقاط النظام وتوفير العيش والحرية والعدالة الاجتماعية.
هذا هو المشهد المصرى الراهن بكل تفاعلاته وتداخلاته حاولنا تفكيكه لتوضيح الصورة ورسم سيناريوهات المستقبل، وأوضحنا الخيارات المتاحة وإلى أين ستفضى والكرة الآن أصبحت في ملعب السلطة السياسية وعلى رأسها الرئيس السيسي وعليه حسم موقفه بالانحياز للثورة والتغيير الجذرى والقوى الثورية والقواعد الشعبية، أو الانحياز لإرث مبارك والإصلاح التدريجى وقوى الإرهاب والفساد، الانحياز الأول يسير بمصر نحو مستقبل يحلم به شعبها، والانحياز الثانى يدفعنا حتما في اتجاه موجة جديدة للثورة، اللهم بلغت اللهم فاشهد.