رئيس التحرير
عصام كامل

أيام.. البوسطجية اشتكوا!


لم يكن متوقعا ذات زمان أن تكون أغنية هي الأروع للموسيقار محمد عبد الوهاب والمطربة رجاء عبده مصدر شقاء بحيث تُمنع من الإذاعة لسنوات طويلة لمجرد أنها كانت أداة في حرب إعلامية بين الملك حسين ملك الأردن والرئيس جمال عبد الناصر على نحو داومت فيه إذاعة عمان على إذاعة الأغنية بعد كل نشرة أخبار "إهانة" للرئيس جمال عبد الناصر لمجرد أنه والده كان يعمل بوسطجيا.


ولا مجال لذكر أسباب الخلاف بين الزعيمين الأردني والمصري فذاك ليس محله وكان المثير أن الحرب الإعلامية وصلت بأن كان الرئيس عبد الناصر ينادي الملك حسين مقترنا بوالدته الملكة زين الشرف.

وانتهت الأزمة بالمصالحة ولكن ذكريات تلك الأيام موجعة لأنها تنطق بأن السياسة رجس من عمل الشيطان تؤدي دوما مالم يتم إعمال العقل إلى مالايُحمد عقباه وقد يصل الأمر لحرب لمجرد إهانة تنال من شخص الحاكم وللتاريخ فقد أجاد بعض الحكام العرب ذاك النهج الشائن المقترن خلال سنوات طويلة عبر شتائم من خلال الإذاعات وتطور الأمر إلى" حديثًا" بأن أضحت فضائية مثل الجزيرة بوقا للإهانة والتحريض ضد مصر.

أيام "البوسطجية اشتكوا" حرمت من أحبوا الأغنية من سماعها ولم يكن هناك من سبيل إلا الإسطوانات لمن يبتغي أن يهيم في الخيال معبرا عن مكنون نحو من يُحب. "حديث "البوسطجية اشتكوا لم ينل من قيمة وقامة الزعيم الخالد جمال عبد الناصر لأن العمل شرف ولم يكن يوما عمل أبيه وبالا عليه كما لم يكن مسمي الملكة زين الشرف إهانة للملك حسين رحمه الله ولكن غضبة عبد الناصر رد فعل للعزف على وتر بعينه لإهانته من خلال مهنة أبيه.

ومضت سنوات ورحل مفجر ثورة 23 يوليو سنة 1952 تلك الثورة التي دعت لإنهاء الطبقية وإذابة الفوارق بين المصريين على نحو لم يكن في الحسبان أن تعاود الطبقية من جديد ليحظر على فقراء المصريين الإلتحاق بالهيئات القضائية لأنهم ليسوا من بيئة قضائية في تفسير شائن ينال من قدر شعب طيب الأعراق وبحسب ذلك التفسير فلو عاد الزمان للوراء لما دخل جمال عبد الناصر أو أنور السادات أوحسني مبارك الكلية الحربية لآن آبائهم في وظائف بسيطة بوسطجي وباشكاتب ومُحضر، علما بأنهم دخلوا الكلية الحربية أيام الملكية في نهاية الثلاثينيات وفي نهاية الأربعينيات بالنسبة لحسني مبارك.

حقا كم بمصر من المضحكات ولكنه ضحك كالبكا.. أجدني اخاطب ضمير مصر وأخشي أن أعاود ترديد الأغنية الشهيرة " البوسطجية اشتكوا من كتر مراسيلي" عندما لا أجد ردا قويا على حديث وزير العدل عن نهج اختيار المصريين للهيئات القضائية.!
الجريدة الرسمية