رئيس التحرير
عصام كامل

الجدال



لا شك الإيمان بالاختلاف هو الإيمان بالحقيقة وأن وجهات نظرنا لتشخيص ما يحيط بنا هو حصاد أعمارنا وحصيلة خبراتنا ولأن أعمارنا اختلفت حسب بصمة وتأثير كل بيت على من تربى فيه فإن عدم الإيمان بهذا الواقع هو مدعاة لدخول الفرد للجدال تجاه الأشياء والمواقف والأفعال لإثبات صحة ما يعتقد فيه وخطأ الرأي الآخر مع أن الإثنين في الواقع يدورون في فلك مسارات الصواب والخطأ حول مركز الحياة.


كل طرف يدافع عن موقفه بكثير من العاطفة وقليل من التعقل بدون حيادية غالبا وبعيدا عن الحقيقة المجردة وعلينا أن نتفق أنه لابد قبل أن نرى "المفروض" أن نعرف أولا على ماذا ارتكز هذا "المفروض" فهل ارتكز إلى التربية أم إلى التعليم أم إلى الاكتساب المستمر للثقافة وهو ما يطلق عليه التعلم.

بيد أن التعلم واكتساب الثقافة هما الذين يدفعون الفرد إلى رحابة الصدر وتقبل استماع آراء الآخرين فكلما زادت قدرة الفرد على ذلك كلما زادت قدرته على تقبل الآراء والإنصات لعله يجد مضمونا قد يفيد.

لابد من تكوين الصورة الكاملة فكل منا يدافع عما يؤمن به وكأن وجهة النظر التي يؤمن بها اليوم حقيقة ولكنها مرهونة للأسف بالزمان والمكان والكثير إذا مر عليهم الزمان لا يرضون عن قراراتهم بل ويودون أن يرجع بهم الزمان لتغيير تلك القرارات الناتجة عن إدراك مشوش ولكن حتى ولو عاد بهم الزمان لارتكبوا نفس الخطأ.

إذا يتغير رأى الإنسان حتى في نفسه وهذا دليل على أن الكثير من الناس إدراكاتهم تجاه الناس والأشياء هي وجهات نظر تخضع لكثير من التشويش أو للتداخل مع مواقف تعمم على الناس من منظور ما نشأ عليه من قيم دون اعتبار لفروق الاختلافات الشخصية وهذا ينتهى بنا إلى نتيجة مهمة مفادها أن رأى الفرد منا هو في نظره صحيح ولكنه يحتمل الخطأ وأن رأى من يختلفون عنا هو خطأ ولكنه يحتمل أن يكون فيه الصواب وهذا سواء كان صديقا أو عدوا على حد سواء.

أن الجدل لن يثمر عن شيء لأنه لن يقدم جديدا فهو تمسك كل فرد بوجهة نظره بعد فقدان وسيلة الاتصال مع الآخر وفى النهاية لن يحصد شيئا وأن التعرف على حقيقة الأشياء والمواقف والأحوال يعتمد اعتمادا كليا على وجهات النظر المختلفة والتي تشكل الصورة الكاملة.

الحديث إذا خرج عن النقاش من الإرسال والاستقبال الصحي إلى الإرسال فقط من كل طرف دون اعتبار لرأى الاخر فاعلم أنك دخلت إلى دوامة الجدال الذي لا يسمن ولا يغنى من جوع وما علينا أن نسعى لضمان قبول الآراء وأن يكون الاتصال فعالا مثمرا ومفيدا لكل الأطراف.
الجريدة الرسمية