رئيس التحرير
عصام كامل

أحمد شقير.. مقاتل بالمنصورة


يقف الشاب مصلوبا بين أب وأم في مشهد إنسانى عميق، يتقدم الأب، يحجز كشفا طبيا بجنيه واحد، ينادى الممرض، يدخل الشاب متكئا على آخرين، ينام على السرير، تجرى له كافة التحاليل، تخرج النتيجة، لابد من زرع كلى، أيام يتم فيها تجهيز كل شيء، تجرى الجراحة بنجاح، يتابع الشاب حياته طبيعيا بين عمله ومتابعة حالته، بجنيه واحد أجرى زراعة كلى.


هذا المشهد ليس نصا دراميا في فيلم سينمائى، وليس تصورا حالما لشاعر يرى الحياة بكل تعقيداتها على هذا النحو السهل.. إنه الواقع الذي رسم ملامحه عدد من مقاتلى المنصورة.. أطباء ضد اليأس، ضد الجشع، ضد اللامعقول في عالم الطب.. لست بحاجة إلى معرفة أو واسطة كى تصل إليه، فالوصول إليه أسهل من الوصول إلى محطة المترو.. هو قلب مصرى نابض بالحياة.. عقل علمى مذهل.. طينة الأرض ورائحة الزرع.. ثمرة الفلاح الفصيح الذي لون الحياة بشكواه، فأنتجت له من باطنها أحمد شقير “زارع الكلى الأول في الشرق الأوسط”.

هو التلميذ النجيب للعلامة المصرى القدير محمد غنيم زارع الأمل في فيافى الإحباط.. لم يفتح عيادة خاصة.. لم يتقاض مليما واحدا من مريض، وهب نفسه لقومه، للعلم، للناس البسطاء، تحول إلى شعاع يضيء للمرضى طريق الأمل.. من مواليد ١٩٥٦ م من أبوين مصريين عرفا كيف يطعمانه الحب.. كان دوما الأول بين أقرانه، الأول في طريق العلم، صاحب الجوائز الكبرى.. بطل كل حدوتة مصرية.. من بين قصص الموت المحقق نسج بفضل الله حيوات تنبض بكل حلم جميل.

هو واحد من هذا الفريق الطبى العملاق الذي تم اختياره للجنة العليا لزراعة الأعضاء، تخرج في طب المنصورة بتقدير جيد جدا مع مرتبة الشرف، وحصل على الدكتوراه بذات التقدير، وحصل على ٣ دكتوراه الأولى من المنصورة، والثانية من هولندا، والثالثة من البورد الأوربى في المسالك البولية، وهو محكم في ثلاثين دورة علمية على مستوى العالم، وقدم أكثر من ١٠٢ بحث علمى في المؤتمرات العلمية العالمية.. سيرته الذاتية لا تكفيها الصفحات.

أحمد شقير ابن الجيزة لم يتسرب إليه يوما حب المال، عشق العلم ووظفه لخدمة أهله، وهب حياته للعلم وللناس، تعلم من أستاذه محمد غنيم أن الطب رسالة إنسانية راقية، يحفظ عن ظهر قلب كل لبنة في جدران مبنى مركز الكلى بالمنصورة، لا يفارقه إلا لمؤتمر علمى أو رحلة طبية خارج الحدود، حصد معظم الجوائز الدولية المصرية وغيرها.. هو حدوتة مصرية بلا منازع.

والمتأمل لحال الطب في مصر لن يغيب عنه هذا الفارق الضخم بين من تعاملوا معه باعتباره “بيزنس” وبين من آمنوا برسالته، والمنصورة على سبيل التحديد هي قلعة الرسالة، فيها عمالقة وجهابذة ليس لدى الواحد منهم عيادة خاصة، وليس من بينهم من قسم وقته بين البسطاء والأغنياء فالكل هنا سواء.. إذا جئت فأنت صاحب حق في علاج كريم ودواء إنسانى قبل الكيميائى.

والمقاتلون في مواجهة المرض والفقر والجهل بالمنصورة، ربما ليسوا وحدهم من يصنعون معادلة التوازن بين ما هو إنسانى صرف وتجارى حقير، فالذين حباهم الله نور العلم، وعلى رأسهم الدكتور أحمد شقير يتعاملون مع المريض على أنه حالتهم التي بها منّ الله عليهم بنعمه، يتبارون في تقديم كل ماهو جديد من أجل الإنسانية، هداياهم لمسات سحرية، عطاياهم علم وطب وبلسم تسكين الألم.

وطب المنصورة معين لا ينضب يفرض علينا أن نقترب أكثر وأكثر من ملائكة سخرهم الله لمواجهة آلام الإنسان.. في حلقات أخرى قد نقدم بعضا مما يضحون به من أجل وطن لاشك بأنه يفخر مادام أمثال الدكتور شقير به.
الجريدة الرسمية