رئيس التحرير
عصام كامل

الفقراء والكادحون لـ"الرئيس السيسي": إلى متى الصبر ؟!



الفقراء والكادحون تاريخيا هم القوام الرئيسى للشعب المصرى، فالنظرة المتفحصة للخريطة الطبقية للمجتمع المصرى تؤكد ذلك وتدعمه، وقد ظلت التركيبة الاجتماعية بها خلل كبير حتى قيام ثورة يوليو 1952، فعشية قيام الثورة كان المجتمع المصرى يطلق عليه مجتمع النصف في المائة، وهم الملك وحاشيته وعدة عائلات معروفة بالاسم تسيطر على الاقتصاد الوطنى وكانت الأرض الزراعية هي وسيلة الإنتاج الرئيسية، فكان النصف في المائة يملك والغالبية العظمى من الفلاحين الفقراء والكادحين يعملون لديهم بالسخرة، وحين جاء جمال عبد الناصر ورفاقه قاموا بإجراءات أحدثت تغييرا جذريا في الخريطة الطبقية للمجتمع المصرى، وأعادت التوازن للتركيبة الاجتماعية من خلال عدة إجراءات مثل قوانين الإصلاح الزراعى وعمليات الـتأميم والتمصير للاقتصاد الوطنى، ساهمت هذه الإجراءات في تنمية الطبقة الوسطى المصرية ونقلت جزءا كبيرا من الفقراء والكادحين من فلاحين أجراء إلى ملاك للأرض الزراعية الوسيلة الرئيسية للإنتاج في حينه، وقامت الدولة برعاية المواطن وإعطائه حقوقه في الحياة الكريمة من عمل وتعليم وسكن ورعاية صحية ورعاية اجتماعية وتأمين ضد البطالة والمرض والعجز والشيخوخة، وأصبح هناك أمل دائم أمام الفقراء والكادحين للحراك الاجتماعى الصاعد على السلم الاجتماعى من خلال التعليم والعمل.


ومع مطلع السبعينيات ورحيل الزعيم الحلم تبدد الأمل لدى الفقراء والكادحين بعد أن أعلن السادات عن تحالفه الجديد مع الرأسمالية الانفتاحية الجديدة واتخاذه مجموعة من الإجراءات التي تضر بمصالح ومكتسبات الطبقة الوسطى وتخلى الدولة عن مسئوليتها تجاه مواطنيها مما نتج عنه ومع الوقت حدوث نوع من الحراك الاجتماعى الهابط لأبناء تلك الطبقة ليتحولوا مع الوقت إلى فقراء وكادحين لذلك خرجوا منتفضين ضده في يناير 1977 فيما عرف بانتفاضة الخبز واتهمها هو وأطلق عليها انتفاضة الحرامية.

ورحل السادات وجاء مبارك واستمر على نفس السياسات الداعمة للبرجوازية العليا والرأسمالية الطفيلية وعادت الخريطة الطبقية لسابق عهدها قبل يوليو 1952 حيث حدث خلل كبير في التركيبة الاجتماعية للمجتمع المصرى، وزادت نسبة من يعيشون تحت خط الفقر لتصل في 2010 إلى 41% وفقا للتقارير الدولية هذا بخلاف من يعيشون في حزام الفقر، وكانت النتيجة الطبيعية ثورة يناير 2011 التي رفعت شعار العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، وهى مطالب الفقراء والكادحين الذين يرغبون في العيش الكريم.
ورحل مبارك وجاء المجلس العسكري ولم يتمكن من وقف السياسات الظالمة ضد الفقراء والكادحين وكان عذره أنه يدير مرحلة انتقالية، ورحل المجلس العسكري بصعود الإخوان المسلمين ومحمد مرسي لسدة الحكم، وكان الأمل كبيرا في تغيير سياسات النظام المنحازة لحفنة من رجال الأعمال الفاسدين ضد الغالبية العظمى من الفقراء والكادحين لكن صدمة الشعب كانت كبيرة حيث استمرت نفس السياسات الظالمة وحاول الإخوان أن يحل رجالهم الفاسدين محل رجال مبارك المسيطرين على مفاصل الدولة والسارقين والناهبين لقوت الشعب، وخرج الفقراء والكادحون للإطاحة بمرسي وإخوانه في 30 يونيو 2013 كما خرجوا ضد مبارك في يناير 2011 وظلت نفس الشعارات مرفوعة وهى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية.

وبعد 30 يونيو عاد الأمل للفقراء والكادحين من جديد بعد أن وجدوا قائد الجيش يعلن أنه منحاز لهم فرفعوا صوره بجوار صور الزعيم الحلم جمال عبد الناصر في كل الميادين، فاستغل الرجل الفرصة وأكد أنه على خطى الزعيم فطالبوه بالترشح لرئاسة الجمهورية، وقد كان ونجح وأصبح رئيسا لمصر وبقى أن يحقق للفقراء والكادحين مطالبهم المشروعة في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، وتمر الأيام والأحوال كما هي والسياسات المنحازة ضد الفقراء والكادحين لم تتبدل قيد أنملة بل تتدهور أحوالهم بشكل سريع ويتحملون وحدهم أعباء المرحلة الانتقالية، ويواجهون وحدهم غول ارتفاع الأسعار الذي يلتهمهم ويدفعهم دفعا إلى بئر الفقر السحيق.

ويتبدد الأمل رويدا رويدا، خاصة عندما يجدون عصابة مبارك قابعة في أماكنها ومعششة في كل أركان ومؤسسات الدولة ومسيطرين على السلطة التنفيذية ومتحكمين في الاقتصاد الوطنى ومهيمنين على وسائل الإعلام التي تقوم بتزييف وعى البسطاء وتجرف عقولهم، وبنظرة متعمقة للخريطة الطبقية والتركيبة الاجتماعية نراها على وشك الانهيار حيث وصلت نسبة من يعيشون تحت خط الفقر إلى 44% ومن يعيشون في حزام الفقر إلى 25 % وهو ما يعنى أن الغالبية العظمى من الشعب المصرى من الفقراء أو المعرضين للفقر، ومن حق هؤلاء المواطنين أن يسألوا الرئيس السيسي إلى متى الصبر، وعليه أن يجيب لأن التجاهل وعدم الإجابة ستدفعهم حتما إلى اليأس، فعند الجوع يذهب العقل ويحضر اليأس ويغيب الفعل العقلانى، وهنا تكون كل الخيارات مفتوحة وهو ما لا نريده لمصر، اللهم بلغت اللهم فاشهد.
الجريدة الرسمية