وفي اللغة تطرف أيضا !
توصل مؤتمر القرائية للجميع في العاصمة البحرينية المنامة إلى نتائج كارثية. أول مؤتمر عربى يقر بتراجع حب اللغة العربية، من أول تلاميذ المدارس، وانتهاء بالطلبة ودارسى الماجستير في الصفوف الجامعية.
قال باحثون في المؤتمر إن اللغة "أيدولوجية" أو فكر. اللغة ليست نحوا وصرفا وأعرب ما تحته خط فقط. اللغة في الأساس رموز للتواصل.. وأساليب للتعامل، وتعبير عن النفس، وتعبير عن الذات، بطريقة عصرية.
أما نحن فضيقنا اللغة، وتزمتنا فيها، ثم تشددنا في تعليمها، وفى الهجوم على كل مشتقاتها من ألفاظ حديثة، ورموز منحوتة من كلمات عربية..ببعض التحوير. اعتبرنا أن "العربى" يعنى نحو وصرف، وكلام من عينة "كجلمود صخر حطه السيل من على"، لذلك كره التلاميذ اللغة، وكرهوا النحو.. ثم انصرفوا عن العربية، إلى لغة الإنترنت والفرانكو اراب.
وصل مؤتمر القرائية في البحرين إلى أبعد مدى. عالم اللغة المغربى الشهير عبد القادر الفهرى، مثلا، طالب أساتذة الجامعات، ومعلمي المدارس بالتسامح في أخطاء اللغة العربية. طالب علماء آخرين حضروا المؤتمر أن نغير، ونتغير، فلا نبدأ بتعليم العربية من النحو، إنما علينا الاعتماد على النصوص، والقصص، فنترك الأطفال، والصبيان حتى سن كبيرة، يقرأون اللغة "حرة".. كى يحبونها، فتحيا.
قالوا إن علينا ألا نصدمهم بدراسة قواعد النحو والصرف، والبلاغة، والمجاز المرسل، والمحسنات البديعية من الصفوف الأولى في التعليم، فكيرهون العربى..ثم يدخلون "مواقع الشات الإليكترونى" على الإنترنت بالفرانكو اراب، باعتبار الفرانكو اراب أسهل، وأيسر، وأكثر قدرة على التعبير.. وبسرعة.
حسب الدكتور الفهرى، نحن السبب في أن يكره تلاميذ المدارس "العربية"، لذلك ابتعدوا عن القراءة، بعدما ارتبطت اللغة شرطيا في أذهانهم، بالمعاناة في دراسة النحو والقواعد منذ سنوات الطفولة الأولى في المدارس.
يقول الخبراء إن اللغة تعيش بأخطائها، وأن اللغات المرنة، هي التي تعيش طويلا. مثلا، لو أن "الإنجليزية" استمرت مع الإنجليز وحدهم، لكانت تجمدت، فأزاحتها لغات أخرى، أسهل وأكثر مرونة، مثل الإسبانية الحديثة. لكن تطور الإنجليزية على يد الإمريكيين، ضّخمتها، وتوسعت فيها، وغيرت في تراكيبها وسماتها، وجعلت منها لغة توسع واستعمار.
لو ظلت الإنجليزية قاصرة على الإنجليز الذين يحسبون أخطاء المتكلم، لما استمرت، لكنها انتشرت على يد الأمريكيين، الذين يحاولن فهم المتكلم، لا تصحيح أخطائه اللغوية.
كلام يبدو سليما.. والذي يبدو غير سليم، أننا نتمسك باللغة العربية بطريقة خاطئة، أو قل طريقة غير مناسبة لزمن تحور فيه الكلام وأصبح أسرع، وأكثر تعقيدا.
نبدأ تدريس العربية لأطفال المدارس في زمن الإنترنت سريع الإيقاع، بنفس طريقة التدريس على أيام مولانا جمال الدين الأفغانى، ومحمد عبده. النتيجة أن التلامذة خافوا العربية.. وابتعدوا عنها قدر الإمكان، وبالتالى ابتعدوا عن القراءة.. فكان أن أزاحت العربية حروفا سموها "فرانكوا اراب" يتداولها المراهقون في التواصل عبر مواقع التواصل.
محضر جلسات مهرجان "القرائية للجميع" في البحرين احتوى كلاما مهما، وملاحظات ومداخلات أكثر أهمية. على الأقل هي ملاحظات أولى من نوعها في مؤتمر علمى، بعد أن كان الحديث عن أساليب تعامل مرنة مع "لغة القرآن" خط أحمر.
مصطلح «القرائية» أطلقته منظمة اليونيسكو عام 1992، وأرادت به فكرة تعليم اللغات وفهم المكتوب كما يحتاجه المجتمع.. هذا لا ينفى الحفاظ على قواعد اللغات، لكن المطلوب، هو إدخال ما تحتاجه اللغات من مرونة، لاستمرارها.
وإلا.. فلماذا لم نلاحظ، أنه رغم حشو كتاب النحو في مدارسنا، منذ سنوات الدراسة الأولى للأطفال..أن نفس الأطفال، الذين يعانون حفظ "اخوات كان" هم أنفسهم الذين عرفوا وكتبوا حروفا وأرقاما، شكلت رموزا للغة غريبة، على الإنترنت.. بلا معلم..ولا أدنى معاناة ؟!
Twitter: @wtoughan
Wtoughan@hotmail.com