رئيس التحرير
عصام كامل

متى يخرج شيخ الأزهر إلى الناس ؟!


لا جدال أن المذيع خيري رمضان أدار مناظرة البحيري بحنكة وسعة أفق، ونجح الأزهري والجفري في تفنيد دعاوى البحيري وافتراءاته، وأكدا اقترابه من فكر القيادي الإخواني سيد قطب، واجتزاءه أقوال الأقدمين وطعنه في التراث بشكل عام والأئمة الأربعة بوجه خاص.


المدهش أن يعترف البحيري صراحة بأن منهجه هو الهدم التام للتراث وليس لمجرد النقد فقط، وقد كشفت المناظرة منهجه التشكيكي الوهمي وأطروحاته المنقولة نصًا عن مستشرقين، وهي أطروحات مضطربة مندفعة، وكان خطؤه الجوهري هو تصوره أن الدين ليس علمًا، ومن ثم قال د. أسامة الأزهري عنه إنه مشروع مستنسخ من شبهات المستشرقين؛ حيث يعتمد على إستراتيجية محددة هي الاجتزاء والقفز من مسألة لأخرى، فأطروحته ظاهرة يمكن تسميتها بـ"الضجيج" و"التشغيب" حيث ينادي "البحيري" كما نادى سيد قطب بتحرير الإسلام من جهود العلماء منذ القرن الثاني الهجري والدخول للقرآن من دون أدوات لفهمه..

لقد ألقى سيد قطب بتراث العلماء كله، وسماه تراثًا جاهليًا في كتابيه "التصوير الفني للقرآن" و"الظلال"..وكانت النتيجة أن أخرج لنا فكر سيد قطب منظومة التيارات الدموية بداية من التكفير والهجرة، مرورًا بـ"الجهاد"، وانتهاءً بالقاعدة وداعش.

أما تجديد الخطاب الديني الحق كما يراه د. الأزهري فمعناه إزالة كل ما يتم إلصاقه بالشرع الشريف من مفاهيم مغلوطة أو تأويلات منحرفة أو اتهامات قبيحة تصف تراثه ومناهجه وعلومه بالعفن والقمامة ـ مثلما وصفه البحيري ـ حتى يتحرر دين الله من كل تلك الأغلال التي تحير الإنسان، مع الحرص في الوقت ذاته على تشغيل مصانع الفكر التي تسلل الصدأ إلى تروسها ومفاصلها فتجمدت وعقمت لتعيد صناعة العلماء المتمكنين وإنتاج الفقه والفكر المنير الذي يحافظ على مناهج الفهم وتحقيق مقاصد الشرع، ويبني منظومة الأخلاق ويحفظ الوطن ويحقق العمران ويكرم الإنسان.

الأزهري دعا أيضًا إلى حرية الفكر وإعمال العقل والإبداع العلمي الذي يمكنه بناء المعرفة وصناعة الحضارة ورفض المنع والقمع ومقاضاة أي أطروحة فكرية مهما تكون.. فالفكر لا يواجه إلا بالفكر وصراع العقول مفيد على كل حال لأنه هو الذي يولد الحضارة، وأنه لا تقديس لأشخاص ولا لمناهج أو لكتب علماء ولا تدنيس لها في الوقت ذاته.. فثمة فارق بين النقد العلمي النزيه والاعتداء أو التطاول والتدمير الممنهج لكل شيء كما فعل البحيري وغيره ممن نصبوا أنفسهم باحثين إسلاميين.. ولا أدري من أسبغ عليه هذه الصفة الأكاديمية.

إننا أمام ظاهرة لا تكفيها المناظرات أو السجالات أو التراشقات اللفظية وإنما تحتاج لخروج شيخ الأزهر الجليل إلى الناس لإظهار براءة الدين من سفك الدماء وحماية ثوابته وتخليص كتب التراث من أي زلات تسربت باجتهاد خاطئ أو حسن نية استغلها خصوم الإسلام للإساءة إليه والسخرية من رموزه.. هذه أمانة لا يقدر على حملها إلا الأزهر لتطوير الفكر الديني وإصلاح منظومة الثقافة والتعليم لقطع الطريق على مروجي الفكر المتطرف المنحرف أو التشكيك في الثوابت.

الاعتذار الثالث الذي لم نره وكان ينبغي أن تبادر به الفضائيات كافة التي تحاملت على الحكومة بشدة بسبب انقطاع الكهرباء عن مدينة الإنتاج الإعلامي.. بينما غاب الحماس عنها في قضايا مصيرية تهم الوطن.

آن الأوان لكي ينهض الأزهر بدوره في تجديد الفكر الديني حتى يكف المتنطعون والرويبضة عن إقحام أنفسهم في شئون هم أقل من أن يخوضوا فيها.
الجريدة الرسمية