رئيس التحرير
عصام كامل

وطارت العصفورة بالدواء يا جميل !

شفت العصفورة... مقولة مصرية خالصة أبدعتها الروح المصرية الشعبية تعبيرا عن الاستخفاف بالأطفال حتى تلهيهم عن شىء خطير أو غير مستحب اعتمادا على سذاجة الأطفال وبراءتهم.... لكن ربما وجدت حكومتنا الموقرة في تلك المقولة أفضل فرصة حتى تفعل بالفقراء (أيتام الوطن) الذين لا صوت لهم، ما تريد.... من تحمل لأخطاء كل الأنظمة السابقة والحالية وفشلهم في الحفاظ على التضخم والغلاء عند حد معين إلى حرمانهم من أبسط الأشياء التي تحفظ حياتهم، فتارة تلهيهم بمسلسل هابط عن فتاة أو امرأة غير مهذبة ترقص أمام الملايين ثم تخرج لتقوم بدور الواعظة لنا تعلمنا ديننا الوسطى الجميل في حلقات الست راعية العفاريت حصريا في مصر، أو تدير صراع ديكة بين سفيه وشقيقه في السفاهة يتحدثان فيه عن الحجاب وفرضيته في إعلام البذاءة والتضليل... ثم إذ فجأة وفي السر تقوم برفع أدوية الغلابة بمقدار 400 % مرة واحدة وبدون أن يدرى أحد من المنهوكين ذهنيا بالست التي رقصت رقصا وسطيا جميلا ومحترما في أحد الأماكن العامة !

ففى انفراد لـ( فيتو) قامت به الزميلة المجتهدة سلمى كحيل، أفردت فيه مقدار ما تمت زيادته بالفعل في أسعار كثير من الأدوية التي يلجأ لها الغلابة في مصر مثل مخفضات للحرارة للأطفال والأدوية الشعبية الرخيصة التي كانت ملاذا لهم من جشع كثير من أصحاب العيادات الخاصة التي لا يقدر على زيارتها الفقراء فيلوذوا إلى أقرب صيدلية تنقذ أطفالهم من خطر الحمى مؤقتا حتى يتولاهم الله بعطفه.. وحتى أدوية الضغط والسكر التي يضطر المريض لتناولها طوال حياته والتي تشكل عبئًا ماديا مستمرا على الفقراء، تم رفع أسعارها أيضا إرضاءً لأصحاب رءوس الأموال في الشركات الخاصة والدولية متعددة الجنسيات والسادة أعضاء مجالس إدارات ما تبقى من شركات وطنية للدواء.

نعم هؤلاء هم المستفيدون من تلك الكوارث اليومية التي تسميها حكومة محلب (تحريكا) للأسعار وهو في واقعه تحريك باتجاه القبر للضعفاء في وطن خيره للأقوياء فقط... لم يلتفت أحد في الإعلام الفضائى المضلل لسيدة شنقت نفسها في بنى سويف نظرا لعجزها عن الإنفاق على بناتها الست... سيقول بعض السفهاء وقساة القلب ( ولماذا تنجب ستا).. سمعتها من أحدهم
بجوارى في المقهى بعدما انتهى من مشاهدة مباراة لكرة القدم.. فقلت له، إذن يكون الحل في أن نقتل هؤلاء الفقراء أو نتركهم يقتلون أنفسهم حتى نوفر ملايين لتجديد عقود اللاعبين المساكين في فريقى الأهلي والزمالك أو في فرق المؤسسات التي تهدر أموال المصريين على أحذية تركل الكرة !

إذن ما تبقى للفقراء في هذا البلد هو رغيف الخبز فقط...نعم، هو رغيف للخبز فقط وليس للعيش، فللعيش مفهوم أكبر وأوسع وأعمق يتجاوز بكثير ما تحاول الحكومة إقناعنا به، أن تعيش يعنى ببساطة أن تكون حرًا... أن تتنفس حرية وأن تتحدث حرية وتكتب حرية ولا تُلاحق أمنيا ولا قضائيا، أن تكون لك فرص متساوية وعادلة ونزيهة مع غيرك في اقتسام خيرات وطنك، أن تجد إنسانيتك مصونة وكرامتك محفوظة بغض النظر عن مكانتك الاجتماعية ودينك ولونك وقربك أو بعدك من المناصب السيادية... أن يتعلم أبناؤك تعليما حقيقيا في مكان آدمى ولا ينتهب فرصتهم في التعلم ثرى يشترى أي شهادة بفلوس حرام سرقها منك ومن غيرك ومن خيرات بلدك، ساعتها لن تنشغل بمن خلعت غطاء رأسها أو خلعت حتى كافة ملابسها، لن يهمك النجم الذي تزوج سرا من زميلته التي رافقته في شهر عسل تكلفته تؤمن مستقبل العشرات من الفقراء حولك، ولكن لن يحدث ذلك بكل أسف ليس فقط لأن الحكومة والنظام لا يريدان ذلك، بل لأنك أيضا تعشق العصفورة وتفاهتها بل وتطير معها... لكنها للأسف هذه المرة طارت بالدواء وليس بك !
fotuheng@gmail.com
 

الجريدة الرسمية