العلواني مجدد محاصر بضاحية الزمالك
طه جابر العلوانى مجدد، عايش حضارتين: الرعبية في واحدة من مدنها الأبية، الفلوجة بالعراق، والحضارة الغربية في عنفوانها بولاية فرجينيا الأمريكية.. درس علوما قرآنية بكتاتيب الفلوجة والابتدائية والإعدادية والثانوية بها، ثم غادر العراق إلى قاهرة المعز لينضم إلى قافلة طلاب العلم بأزهرها الشريف فحصل على الدكتوراه منها ليغادرها إلى أمريكا حاملا معه مشاعل النور دون أن يعطى ظهره لحضارة بدأت تسود.
تعاطى مع الآخر بقوة فأنشأ جامعة إسلامية.. جامعة العلوم الإسلامية والاجتماعية التي صارت فيما بعد جامعة قرطبة.. ذاع صيته بين الأوساط الإسلامية في أمريكا فقدم نموذجا فكريا رائعا لصورة المسلم الجديد.
يحمل من سنوات العمر ثمانين عاما قضاها بنشأته الأبية في عراق المجد وعلومه الأزهرية ومعايشته المصرية بزوجة صالحة رحمها الله، تنتمى إلى أسرة مصرية عريقة ثم رحلته إلى الآخر متعاطيا مع الحضارة الجديدة ومتفاعلا معها.
والجلوس في حضرة العلواني ذو مذاق خاص.. أقعدته سنوات العمر الطويلة ومع ذلك لا يزال يعيش في ضاحية الزمالك يحصل على الإقامة عاما بعد عام، دون أن يكون من حقه أن يستثمر ما يملك في وطنه الثانى مصر.
حاول الإخوان ضمه إليهم فسألهم عن طريقة الالتحاق، فقالوا له لا بد وأن تبايع المرشد، فقال لهم ومن المرشد؟.. قالوا هو نائب الخليفة فلتبايعه حتى يظهر الخليفة فقال لهم "دعونى أحمل بيعتى حتى ألتقي الخليفة بنفسى"!!
سألته من حيث نغرق في أمتنا العربية فكان جوابه رحلة في تاريخنا عندما قال "الذي لم يتابع تاريخ أمتنا الإسلامية وصيرورتها يصعب عليه فهم واقعنا، فقد ظهر هذا الخلاف مبكرا بعد وفاة رسولنا الكريم وبالتحديد في سقيفة بني ساعدة، فكما نعلم جميعا أن قضية السلطة فيما بعده لم يكن لها أي توجيه سابق، فالرسول الكريم بنى أمة ولم يبن دولة.. الدولة حكومة وأرضا وشعبا وجيشا والدولة تعلو وتنهار.. تظهر وتختفي وهذا الشكل لا يناسب دينا عالميا، أما الأمة فأمر مختلف، وهو ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم..
أمة لها أهداف أولها مناصرة التوحيد وتزكية الإنسان وإقامة العمران في الأرض وأن تكون شهيدة على الناس فإذا انحرفت كان دورها إعادة الأمور إلى نصابها والدعوة إلى قيم العمران والدعوة للبشرية كلها، فكانت السقيفة أول خلاف على منهاج النبوة فظهر خليفة رسول الله، ثم خليفة خليفة رسول الله، ثم اتفق على لقب "أمير المؤمنين"، وإمارة المؤمنين لم تكن صيغة سياسية ثابتة ومحددة.. كانت الخلافة الراشدة في "أبو بكر" ثم عمر، ثم ست سنوات من خلافة عثمان، ثم ظهر التململ والتذمر.. ظهر الخلاف بين الأمة والحاكم، الناس تريد خلافة على منهاج النبوة والنبى لم يمنح أحدا من أهله أي سلطة، ويوم أن طلب منه عمه عباس أن يوليه إمارة، كان رد الرسول عليه واضحا "يا عم رسول الله الإمارة خزى وندامة يوم القيامة".
يضيف الدكتور العلواني "بدأت تتغير الأمور وتتجه صوب السلطوية.. وتلاشى مصطلح خلافة على منهاج النبوة وصارت خلافة.. خلافة مرادفة للسلطة.. للملك.. للقوة.. وهنا ظهرت مرة أخرى نوازع الإمارة والقبلية التي كان الإسلام قد قضى عليها وعندما جاء الأميون فقالوا إن بني هاشم أخذوا النبوة والسقاية.. و.. المهم جاء معاوية بقضية قميص عثمان ونازع الإمام "على" عليها وهو يعرف أنه الأحق وصارت الأزمة.
ويحذر العلواني قائلا "جميع بلدان العالم كلها يمكن أن تستقر إلا بلاد المسلمين لماذا؟.. لأن المسلم عندما ينظر إلى الحاكم فإنه يتساءل: هل يحكمنا على منهاج النبوة؟ والإجابة هنا تحتمل وجهات النظر ثم يتساءل: وما موقفي منه؟ وبذلك تتفاقم الأزمة لأنه يعود للتاريخ فيجد المسلمين وقد اقتتلوا.. عشرة آلاف صحابى ماتوا عند جمل السيدة عائشة، وكفن الرسول لم يبل وهنا نعود إلى نقاش سقيفة بني ساعدة فنراه وقد بدأ يأخذ أشكالا من التكتلات.. انتصر معاوية بعد استشهاد الإمام على..
أصبح الجو خاليا لمعاوية وبعيدا عن نوايا معاوية فإنه سلم السلطة بعيدا عن اتفاقه مع الإمام الحسن ولم يعدها للأمة وظل الحكم لدى الأمويين لـ ١٣٢ عاما، وكانت النتيجة الطبيعية ظهور حركة علوية عباسية مضادة للأمويين وبرزت فكرة الإمامة وبدأت الانقسامات ولم تعد أمة واحدة.. ظهر السنة والشيعة والزيدية والخوارج.. إلخ.. وعندما جاء عمر بن عبد العزيز كان صاحب أول محاولة إصلاحية وذلك بإرساء مبادئ العدل ورد المظالم ببيع أموال أسرته، ولو أن خلافة عمر استمرت لعشر سنوات لما وصلنا إلى ما نحن إليه، وبعد رحيله لم تجر محاولات لوأد الظلم.. كلما ظهرت جماعة معينة ينضم إليها كل المهمشين أو المختلفين أو المظلومين.
مع أوائل العصر العباسى كان تدوين العلوم الإسلامية والتاريخ قد أخذ منحى مهما وظهرت المعارف الإسلامية وتم تدوين الأقوال والتفاسير والحديث والأصول وأدخلت قضية الإمامة في علم العقيدة وهنا يمكنك تصور الأمر عندما ينتخب المصريون مثلا عبد الفتاح السيسي وآخرون ينتخبون حمدين صباحي، يظهر هنا السؤال: ما علاقة اختيارك لأي من المرشحين بعقيدتك؟..
ما الذي يجعلنا ندخل الجنة والنار والدنيا والآخرة في قضية الإمامة؟.. لو اطلعت على كتب العقيدة في الأزهر ستجد الإمامة في كتب العقيدة، وإذا سألت ما دور الإمام سيقولون لك يقيم حدود الله ويطبق الأحكام، وهنا إذا عالج السيسي قضية العدل.. أطفال الشوارع.. يطعم الناس.. يواجه الفقر.. هنا يصبح إماما وطالما أننا علمنا أشياء دونت لعام ١٤٣ هجرية وما زلنا ندرسها بطرق مختلفة، وإذا أردنا التجديد فإننا نجدد باللغة لا بشيء آخر ما لم يتغير هذا ونعود إلى القول إن الرسول أسس أمة منحها حرية أن تقيم مؤسساتها وتدير شئونها بما يحقق المقاصد الشرعية من توحيد وتزكية وعمران وبناء وطالما ظل الوعى العام مرتبطا بما دون قديما فإن الدواعش وغيرهم باقون.