مناوشات مصرية سعودية غير محمودة

المعارض لنا هو خانع وربما خائن وعميل، ومن يقف ضدنا بالرأى كمن يقف في مواجهتنا بالسلاح.. كلاهما عدو مبين.. منطقتنا لا تحتمل التنوع في الرؤى رغم أن حضارتها بنيت على التنوع.. في منطقتنا لا تصور لوجود الرأى الآخر.

ربما كنا ضحية الحكام، فقديما كان إذا اختلف أحدهم مع الآخر ساق الشعب كله من خلفه لدرجة أن بعضنا قد ابتنى أسوارا عملاقة ضد بعضنا.. قال لى أحد أهم قادة اللوبى العربى في أمريكا إن اليهود الذين وفدوا إلى البلاد الجديدة، أمريكا، من كل أنحاء العالم تعاملوا مع بعضهم البعض على أنهم أمة واحدة، أما العرب المهاجرون أو الذين شاركوا في اكتشاف الأرض الجديدة فلم يكونوا على ذات النحو.

هاجر السورى على أنه سورى، وهاجر المغربى على أنه مغربى، وسافر المصرى على أنه مصرى.. فلم يكن من السهل تكوين لوبى عربى قادر على تحمل مسئولياته في بلاد كان من الواضح أنها ستقود العالم.. فشل اللوبى العربى رغم كثرته، ونجح اللوبى اليهودى رغم قلته في التحكم في مفاصل الدولة الوليدة.

ما علينا... آفة الأوضاع التي عشناها قديما لا تزال تلقى بظلالها على مصائرنا وقد يبدو ذلك جليا كلما تباينت وجهات النظر حتى لو كانت صحفية بين كاتبين عربيين، فإنها تتجه إلى ما هو أبعد من التباين أو الاختلاف في وجهات النظر.. أقول ذلك بعد أن بدأت نيران اشتباكات صحفية تطول ما هو أبعد من صفحات الصحف.. أقلام مصرية لها رؤية مغايرة للموقف السعودى من اليمن ردت عليها أقلام سعودية بما هو مغاير للرؤية الصحفية المصرية.. أتصور أن ذلك طبيعى ويجب أن نستثمر فكرة الحوار والتباين في تعميق العلاقات لا في إحراق المساحات المشتركة.

على الجانبين، يمكننا إدارة حوار ديمقراطى راقٍ تتقاطع وتتباين فيه وجهات النظر دون السقوط في مستنقع العنصرية، وإحالة النقاش إلى موقعة حربية تتطاير نيرانها في كل جانب.. الكويتيون مثلا لديهم تجربة ديمقراطية آمنوا بها بعد الغزو فصار كل شيء خاضعًا للنقاش ولم تعد هناك خطوط حمراء.. إلى حد كبير تستطيع أن تصف تجربتهم بالنضج إلى حد كبير.. كتب أحدهم رافضا أن تمنح بلاده أموالها إلى مصر والمصريين، وغالى بعضهم في نقد هذا الأمر.

العقلاء يجب أن يتعاملوا مع هذا الأمر على أنه تنوع في الشارع الكويتى وهناك فرق بين التنوع والإجماع.. نقاط الإجماع بين الشعوب العربية كثيرة غير أنها هشة يمكن لكاتب مبتدئ أن يشعلها نارا بين شعبين وبين دولتين بعبارة مسيئة.. كنا قديما نسير خلف الحاكم ومع تطور الأوضاع أصبحنا أسرى وسائل الإعلام التي تستطيع أن تحرق الحب الفطرى بين أبناء الأمة وتحيله جحيما.

هذا الجحيم قد لا يسببه الكاتب بما يكتب، لكن لأن المجتمعات العربية سيقت لعصور خلف حكامها فإنها لا تزال تفتقد الرؤية الناضجة وقبول الرأى الآخر.. الذي يعنى في مفرداتنا خيانة وعمالة، وتستطيع أن ترى ذلك بوضوح داخل مجتمعاتنا السياسية دون أن ترهق نفسك في البحث كثيرا.. وفى ذات السياق فإن بعض الكتاب قد يعتبر وقوفه ضد دولة عربية على طول الخط هو حرفة فتصبح حرفته “مناهضا” للدولة الفلانية.. هكذا الدولة كلها شعبها وحكامها.. مواقفها القديمة والحديثة.. يهيل التراب على التاريخ والجغرافيا ويفسر كل شيء ليخدم مهنته.

أقول ذلك لأن مناوشات مصرية سعودية بدأ شررها يتطاير في اتجاهات غير محمودة.. بعضهم يجيد الكراهية ويصب سمومه على صفحات الصحف برؤية تصم الجميع دون تخصيص.. من هنا ومن هناك.. أطراف تسيء إلى الشعوب وتاريخها وكأن كل واحد منهم يتحدث عن عدو.. بأوصاف تطول الشعوب دون أن ترسم خطوطا متعارضة بين السياسات.. سياسات الدول أو رؤى الصحفيين والكتاب.

من حق كل صحفى عربى أن يعبر عن وجهة نظره.. أقول وجهة نظره.. والفارق بين وجهة النظر وسب الدين الذي نتابعه كبير.. وجهة النظر لا تقلل من الشعوب وعقائدها ورؤاها وارتباطاتها التاريخية والجغرافية، أما الإساءة فإنها لا تدخل في باب الحوار.. لا يصح أن يصف كاتب أو صحفى بلدا آخر بالتسول ولا يجوز لكاتب أو صحفى مهما كان حجمه أن يصف شعبا بالأجلاف.

أذكر أن كاتبا “…. “ كان قد كتب قائلا إن ثمن المواطن المصرى لا يزيد على ثمن غسالة أتوماتيك ورغم بشاعة الوصف الذي انسحب على الشعب كله فإننى رددت في ذلك الوقت، وقلت إن كان الكاتب فلان الفلانى يرى ذلك فإننا نوافقه الرأى شريطة أن يوافقنا على أن سيادته يساوى ثمن الغسيل الوسخ الذي تغسله تلك الغسالة.. أطلقت اسمه دون الإساءة إلى الشعب الذي ينتمى إليه.

إن الخطر المحدق بنا يكاد يخرجنا من التاريخ ولا وقت للشقاق والانشقاق غير أن هذا لا يعنى ألا نختلف فيما بيننا، فالاختلاف ظاهرة صحية وواردة شريطة ألا يتعدى فكرة الاختلاف إلى خلاف يداعب عواطف الجماهير فيختطفها إلى ما هو أبعد من فكرة قبول الرأى الآخر دون تعميمه.
ekamel@vetoeg.net
نقلا عن العدد الورقى