رئيس التحرير
عصام كامل

رحيل رجل المهام القذرة عن اليمن.. جمال بن عمر استقال بعد إشعال الحرب.. تاريخ حافل من الصفقات المشبوهة.. سجن في المغرب وساهم في تقسيم السودان والعراق.. أشعل الحرب بأفغانستان..وخبير صفقات مع فرق الموت


طاف جمال بنعمر العديد من الدول التي شهدت صراعات مسلحة أو غزوًا أمريكيًا، كمبعوث للأمم المتحدة أو مسئول مهم في فريق البعثات الدولية التي كان يخرج ضمن فريقها، وكان أخرها في اليمن والذي أعلن استقالته منها اليوم بعد أن أشعل فتيل الحرب ودق أسفين التقسيم.


انفصال الصحراء المغربية

جمال بن عمر اليساري المغربي، كان عضوًا في جبهة " إلى الأمام" حيث أسسها اليهودي المغربي أبراهام السرفاتي، والمرتبطة بجبهة "البوليساريو" الانفصالية من خاضت حربا أهلية مع النظام المغربي.

اعتقل بن عمر على إثر الانتماء لهذه الجبهة ليحكم عليه بالسجن 12 عامًا، أمضى منها 7 سنوات ومن ثم أفرج عنه بموجب عفو ملكي صدر عن الملك المغربي الحسن الثاني 1983م ليعود إلى السجن مرة أخرى بعد عام فقط من الإفراج عنه.

وقبل أن يتمكن من الفرار من موطنه في نفس العام إلى إسبانيا، ومن هنا تبدأ فصول جديدة في حياة هذه الشخص الغريب المعروف بجمال بنعمر.

يذهب بعض الكتاب الذين تناولوا شخصية الرجل أنه ما يزال يدين لتلك الحقبة السالفة الذكر بالولاء، كونها اتسمت بكفاح ضد النضال المغربي ومحاولة لإسقاط رموزه، وهو ما جعل للنظام حنيها موقفًا صارمًا تجاه تلك الجبهة وكل المنتمين إليها.

محور دعم الميلشات


ومن المرجح أن تلك الفترة قد تركت أثرها الكبير على حياته وخاصة في التعامل مع الأنظمة والحركات التي تنشأ في مواجهتها، وعلى أثر ذلك صنفت المنطقة إلى محورين محور شر ساند النظام المغربي ومحور خير دعم المليشيات المسلحة إبان سنوات ما يسمى بالرصاص، فهي حاضرة لديه وبقوة حسب صديق مقرب له سنشير إليه بعد قليل.

وفي تلك الفترة التي عاشها الرجل يعمل ضد النظام المغاربي كانت دول الخليج مساندة للنظام على النقيض من دورة إيران والتي كان لها موقف مساند لتلك الجبهة وتعمل بوضوح ضد النظام.

عراب الشرق الأوسط

بنعمر هو أيضًا الرجل الذي عرف بغية وهوى الإدارة الأمريكية في المنطقة العربية والذي استبسل لتنفيذه وتقديم نفسه كعراب ما يسمى بالشرق الأوسط الجديد في محاولة منه لكسب رضا الإدارة الأمريكية لتحقيق طموحه، في تولي منصب الأمين العام للأمم المتحدة خلال الدورة القادمة والتي ستكون من نصيب القارة الأوربية، الأمر الذي يدخله ضمن دائرة الترشح بسبب تمتعه بالجنسية البريطانية إلى جانب المغربية بلد المنشأ.

رجل كارتر

من كان يصدق أن الرجل الذي خرج فارًا من بلده سيتمكن من التنقل بين المناصب الأممية وصولًا إلى مناصب متقدمة في منظمة الأمم المتحدة تحديًا، خاصة وأنه لم يحظ بترشيح من الجهات الرسمية لبلده كما هو الحال للأخرين، بل ووفق بعض المصادر الصحفية التي تشير إلى أن المغرب العربي قد قدم خمسة احتجاجات رسمية للأمم المتحدة أثناء تولي جمال بنعمر لعدد من المناصب في الأمم المتحدة.

يذهب بعض السياسيين أيضًا إلى أن هناك أسبابا تعزز لجمال بنعمر من التواجد اليوم في أعلى هرم الأمم المتحدة، يعود ذلك إلى عمله ضمن فريق المعهد الذي يهتم بأزمات العالم، ويديره الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، والذي يعد من أهم موجهي السياسة الأمريكية المعاصرة.

ومنذ دخول في حظيرة الأمم المتحدة فقد تمت العديد من الصفقات والاتفاقات والتي وصفت بالمشبوهة والمفصلية في نهاية القرن الماضي وحتى الآن.

ولد جمال بن عمر بقرية الناظور سنة 1957م، وانتقل لمتابعة دراسته الثانوية بالحمامة البيضاء تطوان.

لم يكد ينهي المرحلة الثانوية بالمدينة الشمالية الساحرة كما كان مقررا له، حتى وجد نفسه مقتادا إلى مخافر الشرطة بالمدينة ومنها إلى معتقل "درب مولاي الشريف" بالحي المحمدي بالبيضاء سنة 1976م، بتهمة نشاطه وتعاطفه مع قوى ورموز اليسار، وبالذات منظمة "إلى الأمام".

داخل المعتقل وبسبب سوء المعاملة التي تلاقها، تعزز لديه الحقد الدفين على الاوطان وسيعاهد نفسة على الانتقام من كل كان له دور النظام المغربي في هذه الحقبة حسب مقربين منه.

و من نفس السجن سيبدأ مشواره العلمي الذي سمح له أن يمارسه، فمن داخل زنازين سجن القنيطرة سيحصل على شهادة الباكلوريا، وبعدها شهادة الإجازة في الحقوق.

لم يكتف بذلك، بل إن عزيمته وقوة شكيمته دفعتاه إلى الشروع في تحضير رسالة ماجيستير في الحقوق عن طريق المراسلة بإحدى الجامعات الفرنسية وكانت هي البوابة التي نفذ فتحت له طريق لمغادرة المغرب والتوجه صوب الأمم المتحدة.

رسالة الماجستير ومساومة الإفراج

بدأ يلوح أفق كشعاع أمل بالنسبة له، فرسالة الماجيستير لم يكن يشرف عليها شخص آخر غير ميشيل روسي، الأستاذ الجامعي والفقيه الدستوري بفرنسا، والذي ساهم في كتابة دستور الحسن الثاني لسنة 1996، الذي اشترط مقابل حضور لقاء مع الحسن الثاني خلال إحدى زياراته إلى فرنسا تلبية طلب لإطلاق سراح بن عمر.

لم تمانع المغرب من الطلب، فقد كان له ما أراد فأطلق سراح بنعمر سنة 1983، وهنا جمع أغراضه وكتبه من داخل زنزانة في سجن القنيطرة وقصد الرباط العاصمة، حيث مكث ببيت أحد رفقائه وابن منطقته "لحبيب بلكوش"، لمدة عام كامل ظل خلالها يطرق الأبواب بحثا عمن يساعده في استخراج جواز سفر، ولكن من دون جدوى.

في مهمة الخروج من المغرب


أولى ما بدى له أن طرق باب محمد بن عيسى المنتمي إلى حزب الأحرار والمقرب من رئيس الحزب آنذاك ووزير الدولة أحمد عصمان فوعده بمساعدته، إلا أنه بعد معرفته بجمال بنعمر وسيرته في المنظمات المعارضة للنظام لم يف بالوعد.

وعندما شعر بأنه لم يحقق شيئا مع عصمان اتجه إلى باب الاتحادي عبد الواحد الراضي، الذي اشترط عليه الالتحاق بحزب الوردة قبل أن يبحث له إمكانية استصدار جواز سفر، لكنه رفض أسلوب المساومة هذا فتوجه إلى باب "الزايغ" المحجوبي أحرضان من دون نتيجة أيضًا.

هنا غمره شعور بالخيبة واليأس، فقرر معه أن يغادر هذه البلاد ولو سباحة، حيث توجه إلى مدينة تطوان ليبدأ الاستعداد إلى مغامرة الهجرة السرية بما يطلق عليها بالمغرب "الحريك"، لكن من سوء حظه أن وصوله إليها تزامن مع اندلاع أحدث الريف سنة 1984.

على إثر ذلك اعتقل مرة أخرى لمدة عشرة أيام، ما دفعته إلى الكفر بوطنه وإلى الأبد حسب رفيقه في السجن محمد الحماني والذي نقل عنه كثير من الأفكار والتصورات منها ما طرحت في بداية هذه المقالة.

مباشرة بعد الإفراج عنه شرع في التنسيق مع بعض النشطاء الحقوقيين لمغادرة التراب الوطني والتوجه خارج البلد مهما كان الثمن.

الهروب إلى إسبانيا

بعدها بأيام أيضًا "هرب" إلى إسبانيا عبر البحر، وهناك تكفل به فرع منظمة العفو الدولية، ومن ثم انتقل إلى فرعها بلندن، حيث التحق بأطقمها قبل بلوغه منصب نائب الفرع، تزامنًا مع زيارة قام بها الحسن الثاني ملك المغرب إلى العاصمة البريطانية لندن سنة 1986.

وهنا لم يجد بنعمر ومعه فرع العفو الدولية، ما يستقبلون به ملك المغرب غير وقفة احتجاجية تستنكر استقبال "دكتاتور" خلف وراءه سجونا ومعتقلات عامرة بالسجناء السياسيين ومعتقلي الرأي" وهي أولى الأنشطة له خارج بلده تجاه ملك الدولة التي ينحدر من أصلها.

وعبر مسار طويل، تنقل خلاله جمال بنعمر، المتزوج من أمريكية منها أربعة أبناء، بين عدة مناصب داخل الأمم المتحدة، التي عمل موفدا خاصا لأمنائها ابتداء من العراق وأفغانستان والبوسنة وكوسوفو وجنوب أفريقيا، فضلا عن عمله مستشارا للرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر في المعهد الذي يحمل اسمه والمشار إليه سابقًا.

تاريخ حافل بالشبهات

طاف جمال بنعمر العديد من الدول التي شهدت صراعات مسلحة أو غزوًا أمريكيًا، كمبعوث للأمم المتحدة أو مسئول مهم في فريق البعثات الدولية التي كان يخرج ضمن فريقها.

فقد رافق المبعوث الجزائري الأخضر الإبراهيمي في بعض المهمات الأممية، ويوصف الرجل في العديد من التناولات بأنه خبير متخصص بالدول التي تشهد سقوطًا للدولة أو صراعات مسلحة شديدة.

وتشير بعض التقارير الصحفية أيضًا أنه كان المسئول عن الملف السوداني بمنظمة العفو الدولية التي كانت "ترسًا في ماكينة طحن الدول والشعوب" بحسب تعبير أحد مراكز الدراسات السودانية، حيث كانت منظمة العفو تقدم التقارير تلو التقارير المضللة ضد السودان خدمة لحركات التمرد والانفصال في دارفور والجنوب.

تلك التقارير التي اضطرت المنظمة في بعض المرات إلى الاعتذار عنها بعد إثبات السودان زيفها وبطلانها وأنها لا تعدو أن تكون تلفيقات مغرضة، وقد كان جمال بنعمر الشخصية الثانية في المنظمة وأحد أبرز من دارت حوله الشكوك حول تلك التقارير المشبوهة، والتي لا يزال السودانيون يحتفظون بذكر سيئ لبنعمر والفريق الذي كان معه حتى اليوم.

ويخلص المركز السوداني للخدمات الصحفية إلى القول: "لقد ظل السودان ومنذ عقود هدفا دائما ومجرمًا مطلوبا على الدوام لمنظمة العفو الدولية بصورة، وبشكل يتناقض تماما ومقتضيات النزاهة والحياد والشفافية المطلوبة في المنظمات العاملة في مجالات دعم حقوق الإنسان والعمل الإنساني الإغاثي وغيرها من حقول ودوائر العمل.

لقد وضح بالأدلة والحقائق والوقائع أن منظمة العفو الدولية منظمة سياسية وأنها ترس في ماكينة طحن كل الحكومات والشعوب المغضوب عليها ولو كان الثمن وصف المنظمة في غالب بياناتها عن السودان وتقاريرها بالكذب والكذب البواح".

وكما تشير تلك التقارير أيضًا إلى أنه يتواجد في الأماكن الأكثر سخونة وحربًا ثم لا يكون دوره ومنجزاته بعد ذلك واضحة، بل وفي المكان الذي كان يتطلب منه أن يقوم بدروه الذي جاء من أجله يختفي تمامًا، ويظهر في قضايا سياسية لأغراض أخرى لا علاقة لها للمهمة التي جاء من أجلها.

مهمة أفغانستان والعراق

بعد غزو أفغانستان في 2001، كان جمال بنعمر ضمن الفريق الأممي المكلف بتأسيس أفغانستان الجديدة ما بعد الغزو برئاسة الأخضر الإبراهيمي، ولا توجد الكثير من التفاصيل حول دوره هناك، على الرغم من أهمية أن يكون ذلك واضحًا لمعرفة النجاحات والإخفاقات.

وغير بعيد عن أفغانستان، كان جمال بنعمر من أبرز مسئولي بعثة الأمم المتحدة إلى العراق بعد الغزو الأمريكي البريطاني الإيراني في العام 2003، حيث أشرف على إعداد وتنصيب أول حكومة في عهد الاحتلال برئاسة رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي.
كما أنه أعد الدستور الفدرالي للعراق الذي جرى الاستفتاء عليه في 2005م، بعد أن كان مكلفًا من الأمين العام للأمم السابق كوفي آنان لدعم "مؤتمر الحوار الوطني العراقي".

وتشير العديد من التقارير إلى أن بنعمر يعد ضمن الدائرة الضيقة الخاصة بملف العراق المحتل في الأمم المتحدة وما يتصل به من قرارات.

فرق الموت

فقد كان يقود المفاوضات بين الميليشيات المتناحرة وفرق الموت التي ظهرت مع الاحتلال للعراق، بما تعنيه تلك الفترة من صداقات وصلات برموز تلك الفترة كالحاكم الأمريكي بول بريمر والزعيم الشيعي مقتدى الصدر وآخرين.

واللافت في الأمر إنه لا توجد الكثير من التفاصيل عن دوره في العراق وأفغانستان، سوى بعض الكتابات والتي كانت تنظر له بعين الريبة والشك، وهو مع ذلك لم يكن ذائع الصيت، فقد كان يعمل خارج دائرة الاضواع بالصورة المباشرة.

ويبقى أن العامل المشترك في دور بنعمر والفرق الدولية بشكل عام بدساتير بلدان ما بعد الصراع، أو ما بعد الغزو، أو البلدان التي تقع فريسة التدخل الدولي، هو إقرار الفيدرالية كصيغة لشكل الدولة بما يؤدي عمليا لترسيخ عوامل الانقسام بصورة دستورية ما يقلل فرص استعادة وتبلور مشروع وطني موحد لقيام الدولة من جديد.

في مهمة التقسيم

المتابع لسير أداء بنعمر في اليمن ومنذ الأيام الأولى وحتى اللحظة يدرك تمامًا حقيقة المهام التي كلف بها من قبل الإدارة الأمريكية بغطاء أممي والرامية إلى تقسيم المنطقة إلى دويلات قائمة على أساس مذهبي وطائفي "بحسب مقال نشر في صحيفة نيويورك تايمز عام 2013 تحت عنوان الدول الخمس التي ستصبح أربع عشرة دولة وفق مشروع الشرق الأوسط الجديد.
الجريدة الرسمية