تنظيم مسارات الغضب
عندما تنسد أمام المجتمع الطرق السلمية لمسارات الغضب، فالعادى والطبيعى أن يلجأ إلى طرق أخرى لا يمكن السيطرة عليها، فيمكننا معرفة متى تبدأ ولكن من المستحيل معرفة متى تنتهى.
وبعد ثورة مجيدة كان شعارها الأول حرية، تحالفت القوى السوداء من العسكر والتنظيم السرى للإخوان وحلفائه لحرمان المصريين من حقهم فى مسارات آمنة لغضبهم تمكنهم من تحقيق أحلامهم فى التغيير.
العسكر الذى حكموا على امتداد عامين، لم تكن معركتهم هى تحقيق أهداف الثورة، ولكن كانت قتل الثوار وإجبارهم بالحديد والنار على أن يعودوا إلى بيوتهم.. فقد فشلوا فى دمجهم فى القوى السياسية القديمة، والقوى السياسية الجديدة مازالت ملامحها غائمة، وفشلت فى أن تكون جزءً رئيسياً من المعادلة السياسية.
التنظيم السرى للإخوان أكمل مسيرة الاستبداد بوحشية أكبر، فسالت الدماء فى الميادين، وسعوا لدستور طائفى عنصرى، وحافظوا على كل القوانين الديكتاتورية وطوروها لصالحهم، ومارسوا القتل والسحل العلنى فى الشوارع لمعارضيهم، واعتدوا وهدموا مؤسسات الدولة من قضاء ومحكمة دستورية وشرطة وجيش.. إلخ.
فماذا يفعل المجتمع؟
ليس أمام المصريين سوى أن ينظموا مسارات غضبهم بالطريقة التى يرون أنها مناسبة لهم.. ليس مهماً أن تكون قانونية، وليس مهماً أن تكون خسائرها أحياناً أكثر من مكاسبها.
من هذه المسارات "بلاك بلوك"، ومنها أيضاً الانفلات فى الشارع بكل مظاهره، ومنها قطع الطرق والاعتداء على المنشآت العامة، ومنها انتفاضات هنا وهناك، وأحيانا إجبار المواطنين على العصيان المدنى وغيرها وغيرها مما سوف يبدعه العقل الجمعى للمصريين.
ما معنى هذا؟
معناه أننا بشكل أو بآخر مقبلون على فوضى كبيرة.. وأظن أن المستفيد الأكبر منها هو التنظيم السرى للإخوان، فهم لا يستطيعون حكم البلاد فى ظل "حالة استقرار" كما يقولون، فليس لديهم ما يقدمونه للمصريين على أى مستوى، وهذا لا يشغلهم، فالهدف الأسمى هو الدولة الدينية التى يحلمون بها، ومن ثم فالفوضى ستكون هى مبررهم للقمع والاستبداد والاستمرار فى الحكم.
إذن ماذا نفعل؟
أظن أن معارضى الإخوان سواء من القوى القديمة أو الجديدة مطالبة بأن تنظم مسارات الغضب، أى هذه الجداول المائية المتناثرة هنا وهناك لابد من تجميعها فى مصب الإطاحة السلمية بالإخوان، بدلاً من أن يكون هدفها الوحيد مطالب صغيرة لمدينة أو طائفة.
هل نفعل ذلك؟
أتمنى.