رئيس التحرير
عصام كامل

ارحل أو اعقل!


جرت مظاهرة، حمل فيها المتظاهرون أحذية يضربون بها رءوسهم تعبيرا عن ندمهم فى إسقاط حسنى مبارك، لم أسمع بعد عن مثل ذلك فى تونس ولكن الكثير من العراقيين بدأوا يشعرون بمثل ذلك ويندمون على ترحيل صدام حسين، يظهر أنهم لم يعوا بعد الدرس من ترحيل كل تلك الأنظمة التى توالت عليهم منذ 1958، بل وفى رأيى منذ 1920 إنهم يطالبون الآن برحيل المالكى، حدثنى أحدهم ممتعضا فقال: هل سمعت أنه خرج من الحفل عندما شرعوا بعزف الموسيقى؟ وماذا فى ذلك؟ إذا كان الرجل يعتبر الموسيقى فسقا، أليس من حقه أن يخرج من القاعة؟ المهم أنه لم يمنع العازفين من العزف ولا منع الحاضرين من الاستماع، ولا أصدر قرارا بتحريم الموسيقى، ربما كشف فى ذلك عن عدم فهمه لرسالة الدين أو رسالة الموسيقى، من حقنا أن نحكم عليه بذلك ولكن ليس من حقنا أن نطالبه بأن يرحل.

من المؤسف أن العراقيين لم يتعلموا من تاريخهم الطويل أن تغيير النظام كثيرا ما جاءهم بما هو أسوأ منه، عندما هب المصريون ضد مبارك بشعار «ارحل»، وضاق الأمر به كتبت هنا وقلت خير حل للأزمة هو أن يبادر هو للاعتذار للشعب المصرى عما فعل، ثم يأتى بكل أمواله ويبنى بها مستشفيات ومدارس للفقراء، آه لو سمع كلامى! لأصبح أعظم حاكم عرفته مصر فى محبة شعبه وصفاء معدنه، لم يفعل ذلك مع الأسف وها هو طريح الفراش وسيموت بعيدا عن قريشاته، بدلا من حمل شعار «ارحل»، كان الأولى بالمصريين أن يرفعوا شعارات: «اعترف! اعتذر! أرجع المال لأصحابه!»، وهذه مشكلة سوريا فى رأيى الآن، فهم يكررون ما فعله المصريون لقد انحصر موضوع سوريا ونهوضها وحقوق شعبها لدى البعض فى مجرد رحيل فرد بدلا من ترحيل نظام.
تقول الحكمة اغسل الجرة ولا تكسرها. أقنع المسئول بالإصلاحات المطلوبة وإذا لم يقتنع فأجبره عليها بالأساليب السلمية، أساليب الجهاد المدنى، الشر الذى تعرفه خير من الشر الذى لا تعرفه، الحاكم المجرب خير من الحاكم الذى يأتى ليتعلم الحجامة على رءوس اليتامى.
 عالمنا العربى فى حاجة لسلسلة طويلة وصعبة من الإصلاحات لا يمكننا أن نتوقع تحقيقها دفعة واحدة، حتى وجع الرأس لا تخلصك منه حبة الأسبرين فى دقيقة واحدة. المهم هو أن تبدأ بالسير، والمسيرة تبدأ بخطوة واحدة تليها خطوات وخطوات.
كنا نعتقد أن الخطوة الأولى يجب أن تكون الانتخابات الديمقراطية، ثبت الآن خطل هذا الرأى الذى أدى إلى حكم الغوغاء (الناخبين الأميين)، الذين ركب الانتهازيون على أكتافهم، كم يؤسفنى أن أقول إن الديمقراطية فى أكثر دول العالم الثالث ارتبطت الآن بالفساد، بالإضافة لعدم الكفاءة. الخطوة الأولى فى رأيى هى توفير الشفافية وحرية الفكر. يتوقف كل شىء على توفير المعلومات الموضوعية والعلمية الكاملة وحرية تداولها وتحليلها ومناقشتها تلكم هى الخطوة الأولى.
نقلاً عن الشرق الأوسط
الجريدة الرسمية