رئيس التحرير
عصام كامل

سيدنا نوح هذا الزمان..!


لا أستطيع أن أتجاهل صورة سيدنا نوح عليه السلام وهو في الصحراء ويصنع سفينة، سفينة يتم تجهيزها في الصحراء، الحقيقة أننى حمدت الله كثيرا أننى لم أكن من أهل هذا الزمان، لأن ما كان يفعله سيدنا نوح عليه السلام أمرا خارج العقل والمنطق، لهذا كان أهل هذا الزمان، يسخرون منه ذهابا وإيابا، حتى ابنه سخر منه وقال له إنه سيأوى إلى قمة الجبل ولن تصله المياه ليغرق.


هذه القصة تدهشنى من دلالاتها وخاصة أن سيدنا نوح عليه السلام أخذ يدعو أهله ما يقرب من ألف عام، هذه الصورة أرها كثيرا، ولكن بعناصر جديدة وبأسلوب معاصر، فلو أنك ذهبت لأحد المصالح الحكومية، ستجد الأغلبية الساحقة لا تعمل واهتمامها الأهم، كيفية الهروب سريعا ومغادرة مكان العمل، وأخرون ينظرون للساعة كل دقيقة، وهناك من يذهب لصلاة الظهر قبل الأذان إلى ما شاء الله، وهناك من يبيع هدايا وارد الصين وتركيا، وأخرون أصبحوا يتاجرون في كروت الشحن والشحن على الهوا، ولا ننسى الذين لا هم لهم إلا حساب المكافآت والجهود وصرف الراتب متى، وكأنك دخلت مكانا لا علاقة له بالعمل والالتزام بقوانين، بل دخلت سوقا عشوائية أمام محطة مترو السيدة زينب مثلا.

النموذج الأحدث على بلادة التفكير الذي يسود حالتنا اليوم، تلك الدعوة إلى وضع الأموال في البنوك بدلا من ضياعها على يد النصابين، كما حدث في الصعيد وتم القبض على النصاب، وظهر آخر في كفر الشيخ، الدعوة هنا تؤكد أن صاحبها جاهل، لأن الاستثمار في البنوك هو الأسوأ على الإطلاق كما يقول رجال الاقتصاد، هذه الدعوة كمن يطالب بوضع السيارة الجديدة في جراج مأمون خوفا من الحوادث أو السرقة، ويعتقد أنه يحافظ عليها، في حين كل يوم يمر يقل ثمن أو قيمة سيارته المحفوظة في جراج الأمانة.

للأسف تذكرت الآن قضية تهدد مستقبل البحث العلمى ليس في مصر ولكن في الوطن العربى، هل يمكن أن نصدق أن مجموع أبحاث الوطن العربى 204093 بحثا من 1996 إلى 2007 في حين الكيان الصهيونى فقط في نفس المدة بلغت أبحاثه 204262 أي أكثر من جميع الدول العربية، وندعى أننا أمة لها تاريخ وننسى أننا نهدر تاريها بعدائنا للعمل، أصبح من يدعو للعمل والالتزام والاجتهاد وسط غابة من الموظفين أو العاملين أسما ولكن الحقيقة تؤكد أنهم عاطلون، هذا الداعى للعمل مثل سيدنا نوح عليه السلام الذي لم يؤمن بدعوته إلا عدد محدود يمكن حسابهم على أصابع اليد الواحدة، وكان الجميع يسخرون منه، أثناء بناء سفينة في الصحراء، وبالرغم من هذا فالنجاة حتما ستكون لمن يعمل حتى ولو وسط كل هؤلاء الكافرين بالعمل وقيمته الإنسانية قبل قيمته لخدمة المجتمع أليس ربنا سبحانه وتعالى القائل "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون"..!

لم يقل الله سبحانه وتعالى أنه سيرى الصلاة ولا الزكاة ولا الحج ولا أي شىء سوى العمل..العمل..الذي تعلمنا في المدرسة أن العمل عبادة..العمل من الإيمان.. وأخشى من الصديق القارئ أن يعتبرنى مجنونا مثلما اعتبر أهل سيدنا نوح مع أن صادق وصدق رسالته إليهم..!
الجريدة الرسمية