رئيس التحرير
عصام كامل

غضب أطعمته القمامة



هم أيضا أبناء للرئيس مع أنهم لا يظهرون في الاحتفالات الشيك الراقية بحكم أنه مسئول عن كل مواطن مصرى سواء كان يحيا في كوموبند مغلق على الأثرياء الجدد أو في حكر أو في حارة في حى عشوائى أو شعبى في أي مكان في مصر المهروسة فقرا وبؤسا وغلبا..أو في مصر التي تنعم بالثراء والغنى الفاحش والتي ترى فيها تناقضات الدنيا بأسرها، والأبناء الذي أقصدهم هم ما رأيتهم أمس في أحد شوارع مدينة دمنهور وبالتحديد في أحد أحيائها الثرية ولكنهم لا ينتمون لهذا الحى أو لأقل منه بالطبع... قطعا ستندهش من حضورهم إليه بعد انتهاء يومهم الدراسى، فهم أطفال في عمر الزهور في الصفوف الابتدائية، يرتدون زيا موحدا للمدارس الحكومية هناك يعرفه بـ(المريلة).. لونها أصفر باهت ولكن وجوههم البريئة كانت أكثر شحوبا وإصفرارا منها.


تجمع هؤلاء الأطفال، ولدان وبنت، حول أحد مقالب القمامة وبدأوا رحلة البحث عن طعام فائض عن حاجة الأثرياء الذين عادة ما يلقون بطعام كثير فائض عن حاجتهم في هذ الحى السكنى المعروف بثرائه وثراء زبالته بالتبعية!

بالطبع المشهد يدمى قلوب كل من تبقى عنده مقدار ذرة من إنسانية أو رحمة أو بصيرة، تقدمت إليهم ومعى إحدى السيدات الفاضلات التي انهمرت الدموع من عينيها وهي ترى أحد الأطفال يقوم بالتحايل على تجميع مسحات أو قل بلغته (لحسات) قليلة من علبة زبادى، اندفعت نحوهم السيدة محاولة إقناعهم بترك تلك القمامة لأنها خطر على صحتهم! فرد عليها أحدهم.
ببراءة وبإدانة لنا جميعا حكاما ومحكومين، بأنه جعان ولا تقدر والدته على شراء طعام له يوميا في المدرسة ولا يأخذ مصروفا مثل بعض أصدقائه..

المثير للدهشة أن تلك الملائكة الجائعة في زمن تخمة الأغنياء واللصوص وأولى الحظوة والمدللين من الحكومة، قد أتعبتنا كثيرا برفضها الحصول على نقود عرضناها عليهم لشراء طعام قائلين إنهم لا يتسولون وكان بإمكانهم التسول مثل كثير غيرهم أو سرقة طعام مثلما يفعل البعض من زملاء فقراء مثلهم قائلين لنا نصا (إحنا مابنشحتش من حد أو بنسرق زى غيرنا).

بعد إلحاح قبلوا بهديتنا من بعض عبوات البسكويت المتاحة لنا من أحد المحال المواجهة لهذا المكان بعدما صرنا أصدقاء ثم انصرفوا تاركين لنا ذنوبا لا يغفرها الإله جل وعلا مهما تحنثنا وصلينا وزكينا واعتمرنا وابتهلنا وبكينا في محاريب المساجد ومذابح المعابد والكنائس، مذنبون نحن إن لم نشعر بمن حولنا من الذين يعربد الفقر في أجسادهم الضئيلة...
خاطئون جميعا إن لم نكتب عن هؤلاء ونوصل رسالتهم للجميع وعلى رأسهم السيد رئيس الجمهورية ولى أمرهم والمسئول الأول عن كل المصريين أخلاقيا ورسميا.

أكتب عن تلك الواقعة الحقيقية والتي يحدث مثلها كثيرا وتتكرر يوميا، ليس فقط في أحد الأحياء الغنية في دمنهور بل في كل مكان في مصر به أثرياء ينعمون بكل شىء وفقراء وصل بهم البؤس للبحث في زبالة الأثرياء الذين نسوهم ونسوا الله ونسوا أنفسهم وإنسانيتهم... أكتب عن تلك المأساة التي صارت عادية ومألوفة لعلها تصل للرئيس حتى يعدل من سياساته ويدعم الفقراء ويأخذ من الغنى القوى ليعطى الفقير الضعيف والمعدم المنتهك جزءًا ولو يسير من حقه.

لعلها تصل للسيد محلب ووزرائه الذين يفقرون المصريين يوميا لا يشعرون بهم أو بغيرهم، وزراء محلب وأصدقائه وأثريائه الذين خفض ضرائبهم خوفا عليهم من إملاق مع أن قمامة بيوتهم تكفى لإطعام العشرات من هؤلاء الأطفال الذين سيحاسبونهم دنويا قريبا ودينيا أمام الله في يوم لا ظلم فيه..هل تعتقد أن طفلا ملائكى الطلعة والسلوك سيبقى على تلك الحالة عندما ينضج وينمو على قمامة من ظلموه.... إحذروا هؤلاء وإخشوهم فإن لم تدفعكم بقية من إنسانية أو إيمان لإنقاذهم هم وملايين مثلهم فليكن الخوف من غضبهم الذي أطعمته القمامة ذلا وهوانا لا ينسى !
fotuheng@gmail.com
الجريدة الرسمية