رئيس التحرير
عصام كامل

سر الإطاحة برجل عينه الرئيس


لم يكن موظفا عاديا، ولم يكن مجرد قيادة وظيفية جاءت في وقت دقيق إلى واحدة من أهم مناطق النشاط الجديد في عصر السيسي رئيسا، ولم يكن عبده مشتاق، بل فوجئ باختياره رئيسا للهيئة العامة للطرق والكباري، ولمن لا يعرفون فإن هذه الهيئة أتمت من عمرها مائة وثلاثة أعوام.. أي أنها هيئة عتيقة لديها من التاريخ ما يفوق تاريخ دول تصف نفسها بالكبرى.


وكان الدكتور سعد الجيوشى طاقة من الحماس تتحرك على الأرض، في السابعة صباحا يصل إلى مواقع العمل والإنتاج، يعود في المساء متأخرا، ربما يختطف قسطا من الراحة داخل سيارته أثناء التجوال بين المشروعات التي تستلزم منه التنقل بينها.

وجد الجيوشى نفسه محاصرا بين آفة الجمود التي أصابت قطاعات عديدة داخل هيئته الجديدة، وروتين يمنعه من اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، كان ذلك صعبا عليه، خاصة أنه واحد ممن ينتمون للمؤسسة العسكرية، والروتين عدو العسكرية، فالنظام مطلوب غير أن التعطيل مرفوض، حاول الرجل.. أصاب وأخطأ، ولكنه للأمانة كان كتلة من النشاط والأمل والتفاؤل تتحرك بين مواقع العمل.

بدأ العمل من الداخل، استنهض القوى الكامنة بين موظفيه ومهندسيه وقياداته، استطاع خلال فترة وجيزة أن يعيد الطيور المهاجرة، أن يبدأ معهم عهدا جديدا، عهد من العمل المتواصل، راهن على زملائه بالهيئة، فكان رهانه رابحا.

استطاع خلال عام واحد صيانة ٤٠٠ كوبرى، بدأ أعمال الرصف الأسفلتى لـ ٨٠٪ من قطاعات المشروع القومي، استقطب خبرات عالمية بتوقيع بروتوكولات مع شركات أمريكية، وألمانية، ومكسيكية، وعربية، وأنشأ ٨ شركات جديدة؛ لتكون أذرع استثمارية للهيئة، وانتهى من رصف ٢٥٪ من أول طريق خرسانى في مصر، هو طريق القاهرة- السويس، ورفع إيرادات الهيئة بنسبة ٥٠٪ خلال هذه الفترة الوجيزة.

بعد عام لم يصدر قرار تجديد للواء الدكتور سعد الجيوشى دون سبب واضح، لاكته بعض وسائل الإعلام بلا دليل، فأصدرت وزارة النقل بيانا تشيد فيه بالرجل دون ذكر أسباب منطقية للإطاحة به.. الرجل من جانبه أكد أنه جاء بتكليف للعمل من أجل مصر، وأن عدم التجديد له لا يوقف دوره، مشيرا إلى أن البلاد بحاجة إلى تكاتف جهود الجميع، وفى أي موقع كبيرا أو صغيرا.

المثير أن الذين خططوا بليل للإطاحة بالدكتور سعد الجيوشى إنما نجحوا في ذلك، رغم أنهم يعلمون جيدا أن ترشيحه لرئاسة الهيئة كان من المشير عبد الفتاح السيسي شخصيا، عندما كان وزيرا للدفاع، وأن الرئيس السيسي يعرف الجيوشى جيدا، وأن اختياره جاء بعناية ليواكب المرحلة المهمة التي تعيشها البلاد، خاصة أن أهم مشروعاتنا الجديدة كانت تصب في معظمها بقطاع الطرق فما الذي حدث؟

أعتقد وهذا مجرد تخمين لا يعتمد على معلومات أن من خططوا لذلك لا بد أن يكون لديهم ما يقولونه للقيادة السياسية، وأعتقد أن أكثر ما قالوه إن الجيوشى يضجر كثيرا من الروتين داخل وزارة النقل.. روتين يمكنه أن يوقف مسيرة أمة.. ليس مهما ماذا قالوا؟ فالأكثر أهمية أن الرئيس خضع لما قالوه!!

والأهم من كل ذلك أن الجيوشى هو المسئول الأول في البلاد الذي تظاهر من أجله العاملون بالهيئة، ليصبح أول واحد بعد ٢٥ يناير يطرد لافتة ارحل، ويستبدلها بلافتة "ابقى في موقعك نحن بحاجة إليك".. حدث هذا بعد أن نجح الجيوشى في استنهاض قوى زملائه ورفاقه في الهيئة.. أعاد إليها هيبتها، وواصل مد شريان الحياة فيها، فلم يكن جزاؤه إلا عدم التجديد، غير أن أهم مكاسبه حب الناس.. نعم حب من صدقهم وصدقوه.. هنيئا لرئيس الهيئة الجديد بما ترك له الجيوشى وتوفيقا ونجاحا ينتظر الرئيس القديم في مهام وطنية أخرى.
الجريدة الرسمية