جرائم العرب ضد الإنسانية
كنا نتسول الحماية.. لا، لم نكن نتسولها.. بل كنا ندفع ثمنها بخسا.. نتدخل في شئون بعضنا بعضا ثم نلهث وراء أمريكا كى تفض ما بيننا.. بحقد كنا نتصرف وبكراهية أحرقنا الأخضر واليابس في العراق.. قدمنا بغداد هدية لإيران.. أعدنا الحضارة العربية فيها إلى عصور الظلام لأن حاكما جن جنونه في يوم من الأيام وأخذ أرضا غير أرضه وسطا على وطن ليس وطنه..
ذهبنا إلى الغول الدولى.. جيشت الجيوش ودمرت كل شيء.. دمرت الوطن والناس وزرعت نموذجا طائفيا يقوده نور المالكى ومئات الأنوار المالكية غيره.. قبل أن نفرغ من غسل الدماء العراقية العالقة بجدراننا كان الصومال يغرق في بحيرات من الفوضى والعنف.
والصومال ليس بلدا بتروليا.. ليس غنيا بمفاهيم العصر.. الصومال الذي يقع في محيط جغرافى هو الكنز تركناه.. عمت الفوضى.. نثر العم سام كل بذور الحقد والكراهية فيه.. كنا مشغولين بحصص النفط.. مشغولين بالتخمة التي بلغت حد الذقن.. مشغولين بمصايف أوروبا.. مشغولين بكل ما لذ وطاب.. ضاع الصومال.. آلة الموت والتدمير حصدت كل ما كان من علامات الدولة.. لم نفق بعد.
تسلل الليل الكئيب إلى ليبيا.. كسى بظلمته نورا حضاريا كان يوما إطلالة للبشرية.. قتل الناس بعضهم بعضا.. تركناهم لربيعهم العربى ذى النزعة القاتلة.. كنا مشغولين بما يحاك في كل بيت إلا البيت الليبي.. تركنا القوم يأكلون بعضهم بعضا فنحن لا نتدخل في شئون أوطان اختارت القتل والتدمير والفوضى!! لم يكن الغرب بعيدا فهو زارع النطفة الأولى.. زارع شجرة الحقد.. ممول صفقات الموت.
أفقنا على مشهد مستورد.. مصريون أبرياء يذبحون بدم بارد على شاطئ المتوسط.. نفس الشاطئ الذي يجمع بعضنا بالغرب.. أفقنا نصف إفاقة.. ضربنا نصف ضربة.. قصفنا بخجل بعض القتلى ثم لزمنا الصبر وتركناهم.. تركناهم يقتلون بعضهم بعضا.. لا غضاضة عندنا إذا ما قتل الشعب نفسه.. لا حرج أن ينتحر الوطن العربى جزءا جزءا.. لا مانع لدينا أن يكون الحريق في بيت الجار فإن حكيمنا جحا قالها قديما "طالما بعيدا عن بيتى فملعون أبو الجار".
كنا قبل هذا وذاك قد قررنا أن نفكك سوريا فدفعنا نصف حصة الموت فيها.. مولنا القتلة.. استوردناهم.. وللحق صنعنا بعضهم في أوطان عربية تحت شعار الجهاد.. نعم مولنا عمليات الجهاد ضد الشعب السورى الكافر.. لخمس سنوات نزرع الموت والنار في بيوت السوريين.. خمس سنوات ونحن نفكك وطنا عزيزا غاليا قويا قادرا لتسليمه إلى الفوضى أو إلى طهران.
من قبل كل هؤلاء الضحايا سلمنا للجوع أوطانا عربية في أفريقيا وما الذي يشغلنا بالجوعى ونحن المنهمكون في اللحم مشويا ومقليا وصحيا وبضا ومثيرا.. سلمنا أوطانا عربية للجفاف واكتفينا بإخراج قليل من الزكاة ندخل بها الجنة.. كل محاولة لإنقاذ الجوعى كانت غطاء ورياء نخادع بها من في السماء.. كانت نفاقا.. كانت بمقابل.. الرغيف مقابل ألف رغيف في الجنة!!
ودخل اليمن إلى ساحة التفاوض.. نمى العنف ونحن نرعاه.. أورقت أشجار الضغينة ونحن نتابعها.. سطا العنف وسيطر.. تدخلت قوى من هنا ومن هناك.. وعلى فجأة طرق الخطر أبواب وطن عزيز علينا.. طبول الحرب دقت على أبواب السعودية.. انتفض العرب انتفاضة لم ينتفضوها منذ صلاح الدين.. جيشوا الجيوش ودقوا الطبول.. ألقوا القنابل والصواريخ كالأمطار.
ضجت صنعاء قديما بما ضاق بها صدرها.. باحت وقالت وصرخت منذ سنوات طويلة دون أن ننصت إلى تأوهات وطن عربى يعانى من كل شيء إلا الشبع.. ألا تذكرون كيف كنا نتصارع من أجل السيطرة على الموقع الجغرافى المذهل.. كنا نطمح في تأمين تجارتنا.. تأمين تخمتنا.. كنا نسقط بالطائرات ذهبا لنشترى القبائل.. لم نلق بذرة الحب والعمار والتنمية.. ألقينا ذهبا.. راح الذهب وظلت جذور التخلف كما هي تنتظر الفرصة لتعاقب الجميع.
لم تكن صنعاء آخر العواصم التي اشتعلت واكتوت.. بكت وصرخت فإن أولى القبلتين وثانى الحرمين ما زالت هناك تحت نير الاحتلال.. تركنا فلسطين للمفاوضات.. عشرون سنة ونحن نلعق أحذية الصهاينة.. عشرون سنة ونحن نلهث وراء الوسيط الوحيد.. الوسيط المتورط حتى النخاع في قتلنا.. تركنا شعبنا هناك دون أن نحرك أو نتحرك، تركناهم حتى قال نتنياهو قولته الأخيرة "لا دولة للفلسطينيين"!!
لم يتحرك تحالف عربى لإعادة عقل المواطنة إلى العراق.. لم ينتفض الجيش العربى ليعيد الأمل إلى نفوس الصوماليين.. لم تقفز الطائرات إلى سماء ليبيا لتطارد كل غريب وكل حاقد وكل كاره وكل معتد أثيم.. لم نذهب إلى أهلنا في أفريقيا بجرعة ماء.. لم نطارد معهم الجفاف ولم نصنع لهم إلا القبور واللحود.. تركناهم محاصرين بين كهوف الخوف وعشش الرعب والرهبة من غد لا يأتى بجديد.
وفى قمة الانحياز العربية بشرم الشيخ أفقنا.. تحدثنا صراحة عن أوجاعنا.. آمنا أنه ما حك جلدك مثل ظفرك.. قلنا لا بد أن يكون لنا جيش عربى يزود عنا وكفانا استسلاما.. حسنا فما لا يدرك كله لا يترك كله.. لم يتحدث واحد منا عن مبادرات سلام.. سلام يأتى بعد القوة.. سلام يبنى اليمن لكل اليمنيين.. سلام يبنى عراقا لكل العراقيين.. سلام يعيد الصومال إلى حضن الحضارة الإنسانية.. سلام يرسم الأمل على وجوه أطفال ليبيا.. سلام في فلسطين تحميه القوة.
إن الأمل الذي يطارد خيالات المواطن العربى لا يجب أن تطحنه آفة القيادة والزعامة والريادة.. أنشئوا جيشا يقوده صبى عربى لا مصرى ولا سعودى.. لا يمنى ولا ليبى.. صبى عربى حتى لو لم يكن اسمه أسامة بن زيد!!
إذا نجحنا في القفز فوق الصغائر فإن قمة شرم الشيخ ستكون بمثابة قمة الهيبة العربية لأنها انحازت إلى فرض كلمة العرب بقوتهم.. بجيوشهم.. برجالهم.
قمة انحازت لفرض السلام ومطاردة الفوضى.. قمة اختارت أن يكون للعرب درع وسيف.
ekamel@vetoeg.net
نقلا عن العدد الورقى