د. فينيس جودة.. أول وزيرة للبحث العلمي: «مصر» الثانية عالميًا في سرقة الأبحاث العلمية
السطو على الإبداع لا يقتصر فقط على السرقات الأدبية، فحتى الأبحاث العلمية لم تسلم هي الأخرى من تلك الجريمة، لتضيع جهود سنوات وسنوات من أصحابها بسبب غياب ضمير «حرامية الأبحاث»، وبدلا من أن تتبوأ مصر مركزًا عالميًا في البحث العلمي، حجزت المقعد الثانى دوليًا في سرقته.
«فيتو» حاورت أول وزيرة للبحث العلمى منذ إنشاء الوزارة الدكتورة فينيس جودة والتي تولتها منذ عام 1993 وحتى 1997، عن المشكلة الأخطر في مصر وهى «سرقة الأبحاث العلمية»، وما يفعله بعض الباحثين المصريين طمعًا في ترقية أو حفنة دولارات.. وإلى نص الحوار..
> بداية.. أين تقع مصر على خريطة العالم من حيث سرقة الأبحاث العلمية؟
هناك دراسة دولية تؤكد أن مصر تحتل المرتبة الثانية على مستوى العالم في سرقة الأبحاث العلمية، و»هي فضيحة علمية كبرى»، ويوجد العديد من الباحثين داخل المراكز البحثية والمعاهد والجامعات أيضًا يسرقون أبحاثًا دولية أو من داخل مصر، ويحرفون فيها بعض الكلمات للهروب من أي اتهام، رغم أنه لابد على كل باحث عندما يستعين ببعض المعلومات من بحث منشور بإحدى المجلات أن يشير إلى المرجع الذي تمت الاستعانة به، لكن ما يحدث أنهم ينسخون بعض المعلومات من البحث وصياغتها بأسلوب آخر، وكل هذا من أجل الترقية البحثية.
> وما السر في تقدم مصر عالميًا في سرقة الأبحاث؟
السبب هو غياب القدوة، فعندما يشاهد باحث صغير أستاذه يسرق أبحاث غيره علنًا دون أي عقاب، يتعلم منه وينقل هذا الفعل الفاضح للأجيال المتعاقبة، وبحكم خبراتى في مجال البحث العلمى مر عليّ حكايات من هذا النوع، ولكن لم تكن لى سلطة اتخاذ القرار وقتها، وعندما تنتهى مشكلة الباحث السارق وتسأل ماذا فعلت الإدارة معه، كانت الإجابة «حرام نعمله حاجة ما هو عاوز يترقى»، فكانت تصيبنى الدهشة من هذه العبارات التي كانت ترن في أذنى وكأن ما قام به الباحث السارق ابتكار يجب أن يثاب عليه، لذلك فالإدارة هي السبب الرئيسى في انتشار سرقة الأبحاث.
> تفشى هذه الظاهرة.. هل يرجع للإدارة وحدها أم أن هناك أسبابًا أخرى؟
بالطبع هناك أسباب أخرى، أهمها صمت الباحثين المجنى عليهم، والذي يدفع السارق إلى تكرار جرائمه استغلالًا لعدم الكشف عن فضائحه، كما أن اللجان العلمية التي توجد في كل جامعة أو معهد بحثى دورها كشف السرقات العلمية التي يقوم بها باحث، وعقوبته التي حددتها اللجنة هي الفصل التام من الجامعة أو عدم ترقيته مدى الحياة فضلا عن ضعف قانون الملكية الفكرية.
> أليس هناك من سبيل للتصدى لهذه السرقات ؟
بالفعل توجد لجنة «أخلاقيات البحث العلمى» التي تضع قوانين رادعة للغاية، إلا أن قراراتها لا تسير على أي باحث، ولا يوجد حكم رادع على من يقوم بسرقة أبحاث آخرين دون وجه حق، وهناك برنامج أمريكى لكشف الانتحال والتزوير العلمى للأبحاث والمقالات العلمية هو «Plagiarism Detector»، وعند وضع أي بحث عليه يكتشف سرقته من عدمه، ولكن هذا البرنامج مكلف ولابد له من اشتراك، وأكاديمية البحث العلمى أشركت فيه 600 باحث فقط هم الذين كانوا في حيز الجوائز العلمية الكبيرة، ولكن لم تشمله بجميع الباحثين المصريين، الأمر الذي لا يمنع السرقة تمامًا.
> وما التخصصات المستفيدة من هذا البرنامج؟
يستفيد منه عدة تخصصات هي «العلوم الإنسانية، والاجتماعية، والاقتصادية، وإدارة الأعمال، والطبية، والطبية المساندة، والصيدلة، والعلوم الصحية، والعلوم الطبيعية والحياتية، وتكنولوجيا المعلومات».
> وهل هناك أنواع للسرقات العلمية؟
لها أنواع كثيرة، أهمها سرقة بحث منشور بمجلة عالمية لباحث أجنبى أو مصرى ونشره في مجلة محلية بهدف الترقية، أو سرقة بحث بمجلة عالمية ولكن بطريقة مقننة حتى لا يظهر ما تم سرقته ثم نشره بمجلة أخرى عالمية، وهنا يكون الهدف زيادة الصيت الدولى للباحث وانتعاش سيرته الذاتية، وبالتالى يحصل على ترقيات ويتربح أموالًا أكثر، كما أن السرقات ليست في مجال الأبحاث العلمية فقط، بل تمتد إلى الكتب العلمية، وهى كارثة أكبر للغاية لنقل معلومات من كتاب لآخر ليستمر في الأسواق مدى الحياة، خصوصًا أن وسائل الاتصال الحديثة ومواقع الإنترنت المختلفة سهلت السرقة عما كانت عليه في الماضي.
> هل حدث أن تم اكتشاف حالات من هذه السرقات بطريق الصدفة؟
بالفعل، فذات مرة كانت هناك لجنة تحكيم للأبحاث العلمية في إحدى السنوات تضم عددًا من الباحثين، وبالمصادفة اكتشفت عضوة باللجنة أن البحث الذي تقوم بالتحكيم فيه هو بحثها شخصيًا، وهى جريمة علمية كانت فريدة من نوعها، أيضًا هناك قصة أخرى غريبة من نوعها، عندما أعلنت لجنة الأخلاقيات باليابان عن باحث يابانى قام باكتشاف بحث جديد لعلاج أحد الأمراض بالخلايا الجذعية، لكن عند استضافته في وسائل الإعلام وحواره مع علماء آخرين في نفس المجال لم يستطع الرد على أسئلتهم، فشعر بالخجل، وانكشف أمره، لتعلن الجهات اليابانية أنه قام بسرقة البحث، فلم يحتمل الفضيحة التي سببها لبلاده وانتحر على الفور قبل محاكمته.
والباحث السارق يظل بريئًا طوال حياته ما دام لم يكتشف الباحث الرئيسى أنه تمت سرقته، واللجنة لا تعرف الأبحاث المسروقة، فهى تحكم فقط مدى صحة المعلومات الموجودة بداخل الأوراق، وتوجيه عدة أسئلة إلى الباحثين، ولكن لا تستطيع الكشف عن الباحث السارق أثناء التحكيم.
> إذا أردت توجيه رسالة لمن يقوم بسرقة الأبحاث العلمية.. فماذا تقولين؟
أقول له «أنت معدوم الضمير»، ويجب أن تعلم أنك لا تسيء لنفسك فقط، ولكن تهين بلدك، حتى وصلت إلى المرتبة الثانية على مستوى العالم في سرقة الأبحاث.