الدولة الراعية للإرهاب
الدولة وسياساتها التي تنتهجها تلعب دورا رئيسيا إما في مناهضة ومكافحة الإرهاب، أو رعايته والمساعدة على شيوعه وانتشاره داخل المجتمع، هذه قاعدة يمكن تعميمها على كل دول العالم، وإذا ما أخذنا نموذج الدولة المصرية وتعاطيها مع جماعة الإخوان الإرهابية منذ نشأتها وحتى الآن يمكننا أن نثبت صدق فرضيتنا التي ننطلق منها في هذا المقال.
فالجماعة نشأت في عام 1928 على يد حسن البنا بدعم من المخابرات البريطانية في ظل وجود الدولة المصرية تحت الاحتلال البريطانى وسلطة ملك لا حول له ولا قوة فيما يتعلق بعملية صنع واتخاذ القرار، وقررت الجماعة منذ اليوم الأول السير في اتجاهات متعددة الأول دعوة دينية، والثانى تقديم خدمات اجتماعية واقتصادية للفقراء والمحتاجين وما أكثرهم في ظل مجتمع كان يطلق عليه مجتمع النصف في المائة، والثالث سياسي يسعى للوصول للسلطة، والرابع ميليشيا عسكرية إرهابية يمكن اللجوء إليها عند الحاجة لتهديد الخصوم، وفى ظل غياب دور الدولة في احتضان الفقراء والكادحين تمكنت الجماعة من التغلغل داخل بنية المجتمع وتكوين رصيد اجتماعى مؤيد لها مكنها من الوجود على الساحة المجتمعية بشكل عام والسياسية بشكل خاص.
وقامت ثورة يوليو 1952 وتمكن جمال عبد الناصر ورفاقه من السيطرة على مقاليد الحكم وبدأ الصدام مبكرا بين الدولة الجديدة والجماعة الإرهابية وحاولت الدولة إدماج الجماعة داخل المجتمع لكنها رفضت، فأخذت الدولة على عاتقها التصدى لها ومكافحة إرهابها فشنت على قادتها حملة اعتقالات كبرى كرد فعل على محاولاتهم اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر، لكن الدولة لم تكتف بالحل الأمني فقط بل أخذت على عاتقها عزل الرصيد الاجتماعى المتعاطف مع الإخوان المسلمين من خلال رعاية الدولة للفقراء والكادحين التي كانت الجماعة تقدم لهم المساعدات الاجتماعية والاقتصادية لجذبهم إليها ولإظهار ضعف دور الدولة وتخليها عن مسئوليتها تجاه مواطنيها، وبذلك تمكنت الدولة من محاصرة الجماعة الإرهابية، وخلال هذه الفترة ندرت أحداث العنف، وتمت السيطرة على الجماعة التي اضطرت إلى الهجرة خارج البلاد وانحصرت أعداد المؤيدين لها بفعل سياسات الدولة الحاضنة للفقراء والكادحين.
وجاء السادات في نهاية عام 1970 ولم يكن له قبول شعبي، وقرر في عام 1971 التصدى لخصومه السياسيين من الناصريين والشيوعيين وبغباء شديد استخدم فزاعة الجماعة الإرهابية فعقد صفقة مشبوهة مع الجماعة فأفرج عنهم لمواجهة خصومه السياسيين، وفى نفس الوقت بدأت سياسة الدولة تعود مرة أخرى للتخلى عن مسئوليتها في رعاية مواطنيها ودعمهم اجتماعيا واقتصاديا بإعلان سياسة الانفتاح الاقتصادى، وفى الوقت الذي عادت فيه الجماعة للعمل بقوة داخل المجتمع وتحت سمع وبصر وتأييد الدولة كان المواطن المصرى الفقير والكادح يئن من سياسات الدولة المتخلية عن رعايته وهنا بدأ المواطن في البحث عن بديل وكانت الجماعة الإرهابية جاهزة للقيام بدور الحاضن المقدم للخدمات وبذلك عاد للجماعة رصيدها الاجتماعى الذي كانت قد نزعته عنها الدولة في الخمسينات والستينات، ولم تكتف الجماعة بذلك بل فرخت العديد من الجماعات الإرهابية الصغيرة مثل جماعة صالح سرية المعروفة إعلاميا بتنظيم الفنية العسكرية، وجماعة التكفير والهجرة لشكرى مصطفى التي قامت باغتيال الشيخ الذهبى، ثم جماعة الجهاد التي قامت في النهاية بقتل السادات نفسه، وخلال هذه المرحلة شهد المجتمع المصرى نشاط كبير للجماعات الإرهابية وأحداث العنف.
وجاء مبارك في نهاية عام 1981 وكان رجل قليل الحيلة محدود التفكير، وظلت سياسات الدولة كما هي راعية للإرهاب فهناك صفقات مستمرة على طريقة المرحوم أنور السادات مع الجماعات الإرهابية بواسطة الأجهزة الأمنية خاصة الجماعة الأم كما اعترف حبيب العادلى أثناء محاكمته الوهمية، واستمرت سياسات التخلى عن المواطن المصرى الذي ظل يبحث عن بديل يشبع من خلاله احتياجاته الأساسية وتمددت أدوار الجماعة في تقديم المساعدات الاجتماعية والاقتصادية للفقراء والكادحين ومن خلال هذا الدور اكتسبت أرضية كبيرة ورصيدا اجتماعيا ضخما مؤيدا لها، وحين قامت ثورة 25 يناير 2011 انتهزت الجماعة الفرصة وانقضت على السلطة السياسية ونجحت في الوصول للحكم بواسطة المتعاطفين معها من الفقراء والكادحين الكارهين للنظام السياسي القديم الذي كان ممثلا للدولة.
والآن وبعد 30 يونيو 2013 والإطاحة بالجماعة الإرهابية من سدة الحكم وإيداع قادتها في السجون، ما زالت الدولة مستمرة في سياستها القديمة غير الحاضنة للفقراء والكادحين، وما زال المواطن يبحث عن بديل يرعاه بدلا من الدولة، والبديل الجاهز تاريخيا هو الجماعة الإرهابية، لذلك على الدولة أن تفيق وتدرك أن فصل الجماعة عن رصيدها الاجتماعى هو الحل، لذلك عليها أن تعود دولة حاضنة للفقراء والكادحين ليشكلوا رصيدا اجتماعيا مؤيدا للدولة ومعاديا للإرهاب، فالحل الوحيد أمام الدولة والرئيس السيسي هو تبنى سياسات داعمة للفقراء والكادحين والمهمشين الذين ما زالوا يرفعون شعارات العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، هذه هي الطريقة المثلى لمكافحة الإرهاب، وغير ذلك فهو عبث فمكافحة الإرهاب يتطلب عزل الجماعة عن رصيدها الاجتماعى المتعاطف معها والطريق لذلك معلوم ومعروف وهو سياسات منحازة انحيازا كاملا للفقراء والكادحين، وهو ما لا يمكن أن يتحقق في ظل بقاء رموز فساد نظام مبارك في صدارة المشهد الاقتصادى والسياسي وإدارة شئون الدولة، اللهم بلغت اللهم فاشهد.