رئيس التحرير
عصام كامل

مصر وأمريكا


فى مارس/ آذار من عام 1974 استأنف أنور السادات علاقات مصر السياسية مع الولايات المتحدة، بعد سبع سنوات من قطعها بقرار من الرئيس جمال عبدالناصر.

كانت مصر خارجة للتو من حرب أكتوبر التى شاركت فيها أمريكا بالباع والذراع إلى جانب إسرائيل، لكن السادات الذى كان يستحلى مقولة تسعة وتسعين فى المئة من أوراق الحل بيد أمريكا، كان يعنى ما يقول وكان مصمّماً على تحويل المقولة إلى سياسة.
وفى ذلك السياق جاءت الزيارة الشهيرة التى قام بها الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون إلى مصر فى يوليو/تموز، وحضّر له السادات استقبالاً حافلاً يليق بالزيارة التى كان يعتزم القيام بها لإسرائيل بعد ثلاث سنوات، تلك التى مهّدت توقيع اتفاقية كامب ديفيد، وهكذا نجحت الـ 99% من أوراق الحل فى إخراج مصر من الصراع العربى الصهيونى، بعدما كانت فى قلب كل معارك الأمة العربية مع أعدائها.
وعلى العموم، وبعيداً من المظاهر الاحتفالية كان لأغلبية الشعب المصرى ومازالت مواقف غير مستساغة للسياسة الأمريكية وانحيازها الكامل لإسرائيل، التعبير المكثّف للموقف الشعبى صدر عن الثنائى الثورى المتمرد، الشاعر أحمد فؤاد نجم والفنان الراحل الشيخ إمام، اللذين استقبلا نيكسون بالأغنية الخالدة "شرّفت يا نيكسون بابا .. يا بتاع الووتر غيت .. عملولك قيمة وسيما سلاطين الفول والزيت".
الآن وبعد مرور تسعة وثلاثين عاماً على زيارة نيكسون، يأتى وزير الخارجية الأمريكى الجديد جون كيرى إلى القاهرة، ولأن الشيخ إمام رحل عن الدنيا فلن يجد أحمد نجم فناناً آخر يتبنى أغنية تليق بالدبلوماسى الأمريكى، لكن شباب مصر نجحوا فى إيصال رسالتهم الواضحة للضيف، عبر التظاهرات بأنه ليس مسموحاً له التدخّل فى الشأن الداخلى لمصر التى تستمد شرعية نظامها السياسى من ميادينها وليس من البيت الأبيض أو الخارجية الأمريكية، وليس من حق أى مسئول دولى أن يحدّد للمصريين موقفهم من النظام والمشاركة فى الانتخابات من عدمها.
وحسناً فعل قادة القوى المعارضة الرئيسة فى مصر عندما قاطعوا كيرى ورفضوا لقاءه، لأن الزمن الذى كان فيه ما يسقط من السماء الأمريكية تتلقاه الأرض المصرية قد ولّى إلى غير رجعة، وإذا كان نظام الإخوان يريد أن يتناغم مع داعميه من خارج مصر، فإنه يستطيع أن يفعل ذلك متغطّياً بصفته الرسمية، لكن عصر "سرى للغاية" لم يعد له وجود، ولا بد للثلج السياسى أن يذوب ويظهر مرج الصفقات إذا فكّر أحد بنسجها.
أما بعض الأشخاص الذين يسمّون أنفسهم معارضة، والذين التقوا كيرى فقد كان عليهم أولاً أن يسألوا أنفسهم عن مدى تمثيلهم للشعب المصرى، قرأنا ما قاله هؤلاء لكيرى لكن لم يتح لنا رؤية وجوه بعضهم وهم يطالبون كيرى بإسقاط شرعية نظام محمد مرسى، أو تسليم السلطة للجيش، يحار المرء كيف لشخص يدعى حب وطنه وحرصه على استقلاله أن يطلب المساعدة من صديق عدو الأمة فى حسم خلاف أو حتى صراع داخلى.
لا يفهم هؤلاء أن الصراع مع النظام الحالى لا يجوز حسمه من خلال الاستقواء بأى جهة خارجية، وإنما من خلال نضال شعبى سلمى وحضارى على هدى انتفاضة 25 يناير، مع تطويره ببلورة قيادة وطنية وبرنامج سياسى اجتماعى واضح المعالم، من شأنه أن يجذب الطبقات الشعبية للمجتمع المصرى، أما إذا كان شرط التغيير أن يأتى من أمريكا فلا حاجة لمصر به.

نقلاً عن الخليج الإماراتية
الجريدة الرسمية