الجهل والفقر والعشوائية
إن الفقر المضجع لهو نتيجة طبيعية للجهل حتى لو كان الجهلاء أثرياء وهو نتيجة طبيعية للعشوائية حتى لو سكن الجهلاء القصور فأفة العصر في الشرق الأوسط هو الجهل والعشوائية في كل نواحى الحياة.
فإذا شاهدنا وقرأنا التاريخ جيداَ لوجدنا أن العشوائية والفقر هما من أفرز البلطجة والفتونة وفرض الإتوات على الغلابة المساكين واستغلال حاجاتهم فلم نشاهد أبداَ فتوة ظهر في المعادى أو في مصر الجديدة أو إحدى المناطق التي يقطنها الأثرياء
وما يحدث من جامعى الكارتة (الإتاوة التي تُفرض على سائقى الميكروباص والتكاتك) لهو امتداد للفتوة والفتونة في العصر الحديث في المناطق الفقيرة (مجازاَ الشعبية) أو كما يقولون عنها أدباَ المناطق المكتظة بالسكان فلم ولن نشاهد هؤلاء البلطجية في المناطق الراقية والتي يمر منها الميكروباصات ولأنهم يمارسون كل أنواع العشوائيات والبلطجة فكان الأمر يقتضى أن يفوضوا أكثرهم عشوائية وبلطجة ليكون الرئيس المنظم لهم وهم من يعطوه الإتاوة برضاء تام ثم بعد ذلك كرهًا حتى أصبح فرضًا واجب الأداء عليهم.
والجهل هنا لم أقصد به الأمية أو جهل القراءة والكتابة فكم من أميين يمارسون التحضر وكم منهم يحدثك كما لو كان عالمًا أو أستاذًا جامعيًا وهو لا يستطيع حتى كتابة اسمه ولكنه تعلم الاستماع إلى ذي العلم والثقافة فأصبح مثقفًا بالممارسة. وكم من أساتذة في الجامعات ربما يخدعك طريقة كلامهم وأفكارهم السطحية لتحسبهم جهلاء.
إن محاربة الفقر والجهل في المجتمعات ليس بأن يصبح الناس أغنياء أو على الأقل معهم ما يكفيهم من مال ولكن محاربة الجهل والفقر هو تأهيل الناس لاستغلال طاقاتهم البشرية بطريقة تعود عليهم بالخير فالبطالة لدينا هي في وجود الطاقات المعطلة في الوزارات والهيئات الحكومية حتى بعد رفع مرتباتهم وهذه الهيئات عاجزة عن توزيع هولاء الموظفين على أعمال يؤدونها لأن المسئولين ليس لدهم ابتكارات متجددة تستوعب كل هذه الطاقات.
وهؤلاء الموظفون هم أحسن وأفضل حالًا من طاقات مبعثرة تبحث عن رزق يومها يومًا بيوم وتجده بالكاد وربما هؤلاء فيهم من المؤهلات ما يفوق كثيرا من الموظفين الجالسين في بيوتهم ويأخذون مرتباتهم بالكامل بلا أي تعب ليس لأنهم لا يريدون العمل ولكن لأنه لا توجد أعمال يكلفون بها فهم في بطالة مقنعة ولكن براتب ثابت وحوافز وتأمينات وخلافه.
وبفعل هذه البطالة نشاهد في المجتمعات السكانية الجديدة وقد تحولت الأدوار الأرضية إلى ورش ومحال باعها أصحابها أو فتحوها لحسابهم وتحولت الحدائق التي زرعتها الدولة لتكن متنفس لهؤلاء السكان إلى أسواق وورش للسمكرة والحدادة والباعة الجائلين ويتحول المكان ليلًا لأسطبل ينام فيه حمير الباعة الجائلين وعرباتهم فينام السكان على نهيق الحمير وصدى أصواتهم التي تدوى في الليل وكأن الحمير ينامون معهم داخل الحجرات وقد اعتاد السكان على ذلك وتحولت المناطق الجميلة إلى ممارسة كل أنواع القبح ولم تستطع كل مجهودات الحى والشرطة في ضبط كل هذه المخالفات لأن تلك المناطق السكانية مكتظة بالسكان وسكانها يعلمون أن الشرطة لا تستطيع محاربتهم جميعًا فكانت التبعية أن امتنع الكثير منهم حتى عن دفع أقساط شققهم للحكومة وهجر منها بعض أصحابها وقامت البلطجية بتأجيرها لمن يريد السكن.
إذا الحل ليس بنقل العشوئيات إلى مناطق منظمة ولكن أن نحارب جهل الفقراء وعشوائيتهم ثم ننقلهم إلى أماكنهم الجديدة حتى لا تتسع رقعة العشوائيات في مصر. فلك الله يا مصر حماك الله ورعاك.