رئيس التحرير
عصام كامل

رحيل صديق القذافى والأسد ونجاد


تركت مواقف وسياسات الرئيس الفنزويلى الراحل هوغو تشافيز، تساؤلات وانقسامات على الصعيد الداخلى فى بلاده والاقليمى فى منطقة أميركا اللاتينية بين مؤيدين ومنتقدين، لكن سياسته وتحالفاته فى منطقة الشرق الأوسط كشفت عن سذاجة مفرطة جعلته يخلط بين الغث والسمين، وينخدع بالشعارات التى تجيد بعض الأنظمة استخدامها فى تغطية حقيقتها.

فقد كان «القائد»، كما حلا له تسمية نفسه تيمناً بمثله الأعلى تشى غيفارا، حليفاً ومسانداً لطغاة عرب أطاحت الشعوب بعضهم، مثل معمر القذافى، وآخرين لاتزال تحاول إطاحتهم مثل بشار الأسد، لكن علاقته الوثيقة كانت مع إيران التى جمعه بها العداء لـ «الشيطان الأكبر»، على رغم أن الزعيم الفنزويلى ظل يبيع معظم نفطه إلى الأميركيين.
بالطبع كان اهتمام تشافيز منصبّاً على العمل فى أميركا اللاتينية، وخصوصاً على إنقاذ أنظمة متهالكة مثل نظام «آل كاسترو» فى كوبا التى أمدّها بالنفط والمال بلا حساب، لكنه أيضاً نسج علاقات تعاون مع روسيا والصين، وكل من يعادى الولايات المتحدة أو ينافسها فى أقاصى الأرض.
وقد منح تشافيز العقيد الليبى صفة الشهادة بعد مقتله، واعتبر سقوطه وموته خسارة لليبيا وللعالم «الثورى» الذى كان يحلم بإقامته، ذلك أن أوجه الشبه بينهما كانت كثيرة. فكلاهما ضابط وصل إلى الحكم بعد انقلاب، وكلاهما اعتبر نفسه «صديق الفقراء» وتبنى مبدأ «توزيع الثروة»، وكلاهما أحب إطلاق الشعارات والخطابات المطولة والظهور الإعلامى الاستفزازى والمثير. لكن تشافيز كان أصدق من القذافى بعدما تبين أن الأخير كان عملياً يوزع ثروة بلاده التى يسرقها على أولاده، وكان يعادى «الإمبريالية» بالكلام ويتوق إلى الارتماء فى أحضانها مثلما فعل فى نهايات حكمه.
أما إيران التى وجدت فى حكم تشافيز ضالتها للتغلغل فى مناطق النفوذ التقليدى للولايات المتحدة، فاستغلت علاقتها الوطيدة به للقيام بما تقول واشنطن إنها عمليات إرهابية نفذها عملاء إيرانيون بينهم لبنانيون من «حزب الله» وسوريون. وليس مستغرباً أن يضمه الرئيس الإيرانى أحمدى نجاد بعد وفاته إلى ركب «المهدى المنتظر» ويبشر العالم بعودته لاحقاً.
أما النظام الحاكم فى دمشق فأشاد بموقف الراحل «المشرّف من المؤامرة على سورية» وتضامنه معها «فى وجه الهجمة الإمبريالية الشرسة التى تتعرض لها»، وهو الوصف المحبب لأجهزة إعلام الأسد الذى تطلقه على انتفاضة الشعب السورى، خصوصاً أن تشافيز زود هذا النظام بالنفط بعد فرض حظر دولى عليه، ووصف الأسد بأنه «رئيس اشتراكى يملك شعوراً إنسانياً كبيراً»، واعتبر أن الأميركيين يديرون مؤامرة ضده، علماً بأن الثوار السوريين يشكون التجاهل الأميركى للوضع فى بلادهم.
لكن اليتيم الفعلى هو كوبا التى قد لا يستطيع الرئيس الفنزويلى المقبل، حتى لو كان من اختاره تشافيز خلفاً له، مواصلة الدعم غير المشروط لها. ذلك أن رئيس فنزويلا الراحل كان قادراً بسبب شخصيته القوية التى طغت على حكومته وخطابه الحماسى وقدرته على إثارة مشاعر مؤيديه، أن يتصرف بثروات بلاده كأنها خزنته الشخصية يوزع منها ما يشاء على من يشاء، أما خليفته فسيكون مضطراً على الأرجح إلى اعتماد سياسات أكثر عقلانية وتقديم حسابات أكثر دقة.
نقلا عن الحياة اللندنية
الجريدة الرسمية