رئيس التحرير
عصام كامل

تراجع ظاهرة الهجرة السرية لشباب الجزائر إلى أوروبا


أكدت تقارير جزائرية تراجع ظاهرة الهجرة السرية لشباب الجزائر إلى أوروبا، إلا أن مراقبين يشككون في صحة هذه الأرقام، ويحذرون من مواسم جديدة للهجرة نحو الشمال عقب انهيار أسعار النفط والغاز وتراجع الحكومة عن دعم الفئات الهشة.

و حقق سمير عيساني، شاب جامعي، حلمه بداية الشهر الماضي بافتتاح خط إنتاج شركته الصغيرة لصناعة مواد التغليف الغذائية، بعد طول انتظار بأروقة الإدارات والبنوك، وعبر الشاب الجامعي عن فرحته، قائلا "لم أكن أحلم سوى في عبور الضفة الأخرى من المتوسط، وقد فشلت محاولاتي المتكررة، لكن القدر كان رحيما بي أكثر من زميلي عبد الرحيم، الذي قذفته الأمواج إلى أعماق البحر ذات ليلة من شهر رمضان 2012".

وتختصر حكاية سمير معاناة الشباب الجزائري، الذين ضاقت بهم سبل العيش الكريم بوطنهم، فقرروا الهجرة السرية، لكنهم لم يستطيعوا إليها سبيلا بسبب تفطن حراس الشواطئ، من جهة، ومكر وخداع أصحاب قوارب الموت من جهة أخرى، وهكذا أجبروا على إعادة المحاولة مرة أخرى بوطنهم، فكانت باكورة صبرهم وظائف شغل أو مشاريع صغيرة في إطار برامج الحكومة لدعم تشغيل الشباب، وهكذا تراجع الحلم الأوروبي أمام الحلم الجزائري، الذي أصبح حسب تعبير سمير "ممكنا رغم الصعوبات والعراقيل".

عملت الحكومة الجزائرية منذ بداية الألفية على دفع الشباب إلى خلق الآلاف من المشاريع الإنتاجية والخدماتية الصغيرة للقضاء على شبح البطالة، وانعكس هذا إيجابا في تراجع ظاهرة الهجرة غير الشرعية خلال السنتين الأخيرتين إلى أدنى مستوياتها مقارنة بالسنوات العشر الماضية، وعدا محاولات محدودة للهجرة غير الشرعية من فترة إلى أخرى، لم تسجل السلطات الجزائرية هذه السنة موجة هجرة سرية، كالتي عرفتها السواحل الجزائرية في الماضي.

وكشف تقرير للجمعية الوطنية الفرنسية عن تراجع في عدد "الحراڤة" الجزائريين نحو أوروبا في السنتين الأخيرتين، سواء عبر الحدود البرية أو البحرية.

وأبرز التقرير، الذي أعدته لجنة الشئون الأوروبية بالبرلمان الفرنسي، أن عدد الجزائريين الذين عبروا الحدود البرية الأوروبية الشرقية، أي بين اليونان وبلغاريا وقبرص، بلغ 12 ألف شخص، بين سنتي 2009 و2013.

وسجلت سنة 2010 أكبر عدد من المهاجرين السريين بـ6335 شخصًا، لكن هذا العدد تراجع إلى 493 شخصًا سنة 2013، وإلى أقل من 300 شخص خلال 2014، حيث قدر «فاروق قسنطيني»، رئيس اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان، نسبة التراجع خلال السنة الماضية بنحو 30 إلى 35%، مقارنة بسنة 2013.

وأرجع «قسنطيني» سبب تراجع الهجرة السرية من الجزائر نحو أوروبا إلى التدابير التي اتخذتها الحكومة الجزائرية لمراقبة الحدود البرية والبحرية والتشريعات القانونية التي تجرم المهاجرين السريين، وتحسّن الوضع المعيشي للأسرة الجزائرية في مقابل الأزمة الاقتصادية التي تعيشها الدول الأوروبية منذ فترة، والتي لم تعد تمثل للشباب الجزائري أرض الأحلام كما كانت من قبل.

وأكد رئيس اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان، أن الهجرة السرية سوف تتراجع خلال السنة الجارية أيضًا، لأن كل المعطيات الاقتصادية على ضفتي المتوسط تؤكد أفضلية فرص النجاح هنا في الجزائر منها في أي دولة أوروبية، وهذا ما تؤكده التقارير الإعلامية عن الأحول السيئة للمهاجرين السريين في أوروبا.

وتكرار التجارب المؤلمة لحالات الشباب المهاجر في عرض البحر أو في بلدان أوروبية اتعظ منها الشباب الجزائري، خاصة بعد التضييق الذي يمارسه اليمين المتطرف على المهاجرين في أماكن العمل وفي الفضاءات العمومية.

وشكك «بشير بودلال»، عضو اللجنة الوطنية لإنقاذ الشباب الجزائري، بالأرقام التي نشرتها الجمعية الوطنية الفرنسية وتصريحات فاروق قسنطيني، واعتبر أن هناك تلاعبًا بها لتحقيق مكاسب سياسية ظرفية.

وأكد أن الشباب الجزائري ما زال يتحين الفرص للسفر إلى أوروبا متى سنحت له الفرصة، والدليل الطوابير الطويلة أمام السفارات الأجنبية.

وفي تبريره للأرقام المقدمة، قال بودلال لـDW عربية: "الجزائريون غيروا فقط وجهة انطلاقهم نحو أوربا من الشواطئ الجزائرية إلى الشواطئ التونسية والليبية، حيث المراقبة الأمنية متراخية في تونس ومنعدمة في ليبيا".

وأكد بودلال الصعوبات التي تواجه أي جهة حقوقية أو حكومية لإحصاء عدد المهاجرين الجزائريين، سواء الذين وصلوا لأوربا ويقبعون في السجون أو الذين اندمجوا في سوق العمل، أو أولئك الذين أغرقتهم قوارب الموت، "لأن العملية سرية، ولا يتم التبليغ عنهم من طرف ذويهم خوفًا من المتابعة القضائية".

واعتبر مؤسس اللجنة الوطنية لإنقاذ الشباب الجزائري، بأن الجزائر لا تزال رغم ما تملكه من إمكانيات طاردة لشبابها، وأن كل السياسات المتبعة حتى الآن ثبت فشلها على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وأن حركة الهجرة السرية سوف تعاود نشاطها في الأيام القادمة بعد انهيار سعر البترول، وتجميد ملفات القروض، التي تمنحها الحكومة منذ سنوات لامتصاص البطالة في عدد من الولايات.

وبرأي «مصباح حراق»، أستاذ الاقتصاد بجامعة ميلة، فإن العوامل التي قلصت من نسبة الهجرة السرية ظرفية ومرتبطة بعوامل اقتصادية خارجية، وليس بنجاح سياسة التشغيل التي اعتمدتها الحكومة. 

ويؤكد مصباح حراق أن التوظيف في القطاع العمومي والقروض الممنوحة للشباب لتأسيس مؤسسات صغيرة أسهم بشكل واضح في تراجع نسبة الهجرة إلى أوروبا، حيث أنفقت الحكومة مليارات الدنانير على التشغيل والنفقات التحويلية والحماية الاجتماعية للطبقة الهشة، دون أن يكون لذلك أثر فى المنظومة الإنتاجية للاقتصاد.

وحذر حراق من مخاطر تعرض الجزائر إلى أزمة مالية في السنوات الخمس القادمة، نظرًا لوضعية الاقتصاد الوطني الهشة العاجز عن خلق الثروة وتنويع مصادر الدخل القومي، وأضاف: "سياسة التقشف التي باشرتها الحكومة في ميزانيتها سوف تنعش الهجرة السرية مرة أخرى في المستقبل القريب، وبمعدلات تتناسب والزيادة في عدد الشباب العاطل من العمل، يضاف لهم الفاشلون في المشاريع التي مولتها الحكومة، وهي لا تحمل أي آفاق اقتصادية".

وتبقى مؤشرات انتعاش سوق الهجرة السرية مرتبطة أساسًا ببورصة سوق الذهب الأسود، في ظل غياب إستراتيجية جزائرية واضحة للحد من الظاهرة، التي تنخر مجتمعات دول الجنوب وتهدد دولة الرفاه في الشمال، حسب تبريرات أحزاب اليمين الأوروبية.

هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل

الجريدة الرسمية