رئيس التحرير
عصام كامل

أزمة حكم لا أزمة حكومية


لم يتمكن وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى، من وضع حد لأزمة الحكم المصرية خلال زيارته الأخيرة إلى القاهرة على ما كان يأمل الرئيس محمد مرسى، كما لم يتمكن الوسطاء الأجانب والعرب من تحريك الأزمة ودفعها إلى مكان آخر بعيداً من المكان الذى انطلقت منه أواخر العام الماضى، ما يوحى مرة أخرى بأن ما تعيشه مصر هذه الأيام ليس أزمة حكومية عابرة، وإنما أزمة حكم تحتاج إلى إجراءات مركزية ووفاق وطنى يكون فيه رئيس الجمهورية طرفاً وليس راعياً لحوار وطنى بحسب مبادرته الأخيرة، طالما أن المعارضة لا تعده محايداً وترى أنه فى أصل المشكلة، بل مسئولاً عنها وليس فوق الصراع أو بمنأى عنه.

ولعل من مظاهر أزمة الحكم المستمرة انضمام حزب النور السلفى إلى جبهة الإنقاذ المعارضة فى مقاطعة الانتخابات البرلمانية القادمة، علماً بأن سياسة هذا الحزب تصنف عادة على يمين الحزب الحاكم وليس على يساره، والبادى أن السلفيين يراهنون على انهيار حكومة الإخوان ويتوقعون أن يؤدى ذلك إلى صب الماء فى طاحونتهم الأصولية.
وفى مجال متصل يلاحظ أن صفقة مصر مع صندوق النقد الدولى والبالغة نحو أربعة مليارات دولار ونصف المليار التى يراد منها أن تعيد الثقة بالاقتصاد المصرى وتساعد على جذب الاستثمارات والمستثمرين العرب والأجانب، هذه الصفقة مشروطة بالوفاق السياسى واستعادة الاستقرار فى حين يحتاج إليها الرئيس مرسى كى لا يتجرع كأس الوفاق من أجل امتصاص غضب الشارع، ما يعنى أن الاستقرار شرطه الوفاق الذى يمهد السبيل إلى القروض والاستثمار وإلى تنفيس الأزمة.
ما من شك فى أن الوفاق يستدعى القبول بالشراكة فى الحكم وليس الانفراد فيه بحجة الفوز بالأغلبية فى صناديق الاقتراع، ذلك أن الإصرار على الانفراد بالسلطة استناداً إلى نتائج الانتخابات الرئاسية العام الماضى، هو الممر الإجبارى نحو أزمة الحكم الناجمة بدورها عن رفض المعارضة القبول بشرعية السلطة ورفض المؤسسات الدولية مباركة سلطة الرئيس مرسى الانفرادية ومنحه الوسائل الاقتصادية الضرورية لممارسة الحكم.
يفصح ما سبق عن معضلة "كورنوليانية"، بحسب الوصف الفرنسى للأزمات المستعصية، حيث يواجه الحاكم خيارين أحلاهما مر، ولعل حال الرئيس مرسى يتناسب تماماً مع هذا الوصف. فهو إن تنازل للمعارضة واستجاب لمطلب المشاركة فى الحكم عبر حكومة إنقاذ وطنى، فإنه سيخسر تقدير قاعدته الحزبية التى يستمد منها قوته وشرعيته، والتى ترى أن شرعية حكم الإخوان المسلمين لا يمس. وهو إن رفض مطالب المعارضة فإنه لن يرضى الشارع ولا المؤسسات الدولية وفى الحالتين تدفع بلاده ثمناً باهظاً.
البادى أن الرئيس المصرى قد راهن خلال الفترة الماضية على الوقت علّه يحبط من عزيمة المعارضين، كما راهن على الضغوط الخارجية على المعارضة ولاسيما من الولايات المتحدة التى تحتفظ بنفوذ كبير لدى قادة جبهة الإنقاذ وبخاصة عمرو موسى ومحمد البرادعى، غير أن الوقت والضغوط وآخرها زيارة كيرى إلى القاهرة لم تفض إلا إلى تفاقم الأزمة وتحولها فى بعض المناطق إلى عصيان مدنى كما هى الحال فى بورسعيد، فضلاً عن توجه أعداد كبيرة من المواطنين نحو الجيش ومطالبته بتولى شئون البلاد، وعن تفاقم العداء الشعبى للإخوان المسلمين من جراء سقوط القتلى والجرحى برصاص الشرطة وقوات الأمن.
والمذهل فى هذه الأزمة هو راحة بال الرئيس المصرى حيال شرعيته الانتخابية واعتبارها قدس الأقداس، علماً بأن هذه الشرعية ناجمة عن ثورة خلع فيها كل الناس حسنى مبارك، وبالتالى لا أحد فيهم يتمتع بالشرعية الثورية أكثر من الآخر، وبما أن شراكتهم أفضت إلى قلب الحكم السابق فإن المنطق الثورى يقتضى التشارك فى حكم ما بعد مبارك. بكلام آخر يمكن القول إن شرعية مرسى الحقيقية تكمن فى مشاركته فى الثورة ضد حسنى مبارك وليس لفوزه بالأغلبية العددية فى الانتخابات الرئاسية.
إن التمسك بالأغلبية العددية والانطلاق منها لبناء دولة ملائمة لحزب الرئيس يعنى التنكر لشركاء الثورة المصرية وهم كثر، واستبعادهم من الشراكة فى الحكم وتهميشهم، وصولاً إلى إنشاء دولة الولاء والبراء وتحقيق "نهضة" مصرية بأفق أصولى على ما يردد الرئيس مرسى فى خطبه وتصريحاته المختلفة.
فى فرنسا حل الرئيس الأسبق جاك شيراك مجلس النواب فى ولايته الثانية وكان يضم أغلبية كاسحة لحزبه وأقلية يسارية ضئيلة، وقد برر تلك الخطوة بالقول إن الديمقراطية لا تستقيم بوجود معارضة هامشية فى مؤسسات الحكم. ومعروف أن شيراك خسر الانتخابات النيابية واضطر إلى التعايش مع حكومة اشتراكية حتى نهاية ولايته الثانية، هكذا خسر أغلبيته الديغولية لكى تربح بلاده الديمقراطية.
فى مصر ربما كان على الرئيس محمد مرسى تغليب المصلحة الوطنية على المصلحة الحزبية، ففى الأولى يربح مصر وكل المصريين وتربح بلاده سمعة طيبة بين الأمم، وفى الثانية يربح حزبه وتخسر بلاده وسائر المصريين. وهذا هو الحاصل مع الأسف الشديد.
نقلاً عن الخليج الإماراتية
الجريدة الرسمية