معركة كسر العظام بين «الدعوة السلفية» و«الأوقاف».. منع السلفيين من اعتلاء المنابر.. والتهديد بانتشار حلقات الدين ونشر الفكر المتطرف.. التوجه للقضاء.. وهدنة صرح خلالها لـ«برهام
على مدى أربعة عقود مضت تركت منابر المساجد في كافة محافظات الجمهورية لعبة في يد التيار السلفي ككل والدعوة السلفية بشكل خاص، حيث جرت الصفقة المبرمة مع النظام الحاكم آنذاك والدعوة السلفية على أن تترك السياسة لأهلها وأن تترك المساجد لمشايخها شريطة ألا يسعى من يرتدي القفطان والعمامة من الاقتراب من السياسة، وسقط نظام وجاء آخر واستمرت الصفقة قائمة واحتفظ السلفيون بمبادئهم.
بداية الصراع
بدت أهمية المنابر واضحة منذ أن تم استغلالها إبان حكم الجماعة الإرهابية لتمرير قرارات سياسية متشحة برداء الدين وبفتاوى مدفوعة الأجر، وهو ما لفت انتباه صناع القرار إلى أهمية المنابر وما قد تسببه من إزعاج في حالة عدم السيطرة عليها، وعلى آثره أصدر الدكتور مختار جمعة، وزير الأوقاف في شهر أكتوبر من العام الماضي، قرارًا يمنع اعتلاء غير الأزهريين للمنابر وتحرير المساجد من الاحتلال السلفي ومواجهة المخالفين بالقانون، وهنا بدأت المعركة تدق طبولها.
الدعوة السلفية تهدد
ودعا الشيخ شعبان درويس، نائب رئيس الدعوة السلفية بالجيزة، في يوليو 2014 إلى التحذير من القرارات الأخيرة لوزارة الأوقاف والتي تدلل على ضيق أفق القائمين على الأمر"، موضحًا أن القرارات تحمل عنصرية وتفريقًا بين أبناء الشعب المصري وتسعى إلى نشر الفرقة فيما بينهم، وهو ما قد يودي إلى عواقب وخيمة قد تتمثل في انتشار الفكر الإرهابي والمتطرف.
وأشار شعبان، في تصريح لـ"فيتو"، إلى أن النظام الحالى يصدر صورة نمطية حول تكميم الأفواه والسيطرة على منابع الدين والمشايخ، مؤكدًا أنه يفتح الباب أمام دعاة ضعاف وأصحاب أفكار خاطئة في حلقات خاصة تحت الأرض قد تحمل دعوات سلبية تجاه مؤسسات الدولة.
فيما قال على حاتم، المتحدث باسم الدعوة السلفية، إن وزارة الأوقاف تحاصر الدعوة السلفية وتعمل على عزل الدعوة عن المواطنين، مشيرًا إلى أن تلك الأفعال قد تؤدى إلى ما لا يحمد عقباه وهو ما نخشاه نحن وما يجب على الدولة أن تخشاه.
نشر الفكر المتطرف
وأوضح أن التضييق المستمر على مشايخ الدعوة السلفية ومنعهم من اعتلاء المنابر وإلقاء الخطب بالمساجد الكبرى وتشديد الخناق حول الاعتكاف بالمساجد سوف يسمح للمتشددين بالبدء في خطتهم بنشر فكر الإرهاب والتطرف والتحريض على مؤسسات الدولة.
وبدأت منشورات متبادلة بين سلفيين على مواقع التواصل الاجتماعي رصدتها عدد من المواقع الإخبارية محملة بالسخط على وزير الأوقاف الذي يمنع مشايخهم من اعتلاء المنابر.
اتهامات متبادلة
ومن ثم توالت الاتهامات بين الطرفين وصعدت الأوقاف من موقفها حيث أصدرت قرارا بمنح خطبائها ضبطية قضائية لكل من يحاول أن يعتلي المنبر بالقوة، وواضعة اختبارًا يضطر من يسعى لإلقاء خطبة من على منبر أن يتجاوزه وهو ما زاد من التوتر بين الطرفين.
اتهم مشايخ سلفية الأوقاف أن الاختبار التي تعده يحمل توجها فكريا بعينه، حيث قال الشيخ ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية، في بيان له، إنه يستشعر حالة من التربص والإقصاء له من قِبل وزارة الأوقاف بدليل التصريحات الإعلامية العدائية من جانب الوزارة؛ ما يجعل عقد اختبارات الحصول على تصريح خطابة تتم في أجواء غير حيادية.
وأوضح "برهامي" أنه يحتفظ بحقه القانوني في اختصام وزارة الأوقاف لمنعه من الخطابة، حيث إنه حاصل على ليسانس الشريعة بتقدير جيد جدًا مع مرتبة الشرف.
ساحة القضاء
ولوح "برهامي" إلى اعتزامه اختصام وزارة الأوقاف في ساحات القضاء قائلًا: "إنه يحتاج ابتداءً أن يفصل القضاء في قانونية اللائحة الداخلية للاختبارات التي تعقدها وزارة الأوقاف؛ للحصول على تصاريح خطابة قبل التقدم إليها حيث إن وزارة الأوقاف جهة تنفيذية وإدارية وليست جهة علمية والأزهر هو الجهة العلمية، مؤكدًا أنه لن يحضر اختبارات الأوقاف لأنها غير محايدة".
صفقة
بدت المعركة في أوجها وبدت الدعوة السلفية ووزارة الأوقاف في موقف لا يحتمل التنازل من أي من الطرفين إلا أنه منذ أيام بدأت تظهر في الأفق تسريبات تفيد بعقد هدنة ما بين الدعوة والأوقاف والسماح بقيادات الدعوة بإلقاء الخطب طالما شريطة ألا يستخدم المنبر للدعايا الانتخابية والسياسية والالتزام بالخطبة الموحدة والوقت المحدد.
تصاريح سرية
وصعد الدكتور ياسر برهامي، الجمعة الماضية، المنبر وخطب الجمعة بمسجد الخلفاء الراشدين بمنطقة أبو سليمان بالإسكندرية، وهو ما أكده الشيخ محمد عبد الرازق، وكيل وزارة الأوقاف لشئون المساجد، أمس بإعلانه أن برهامي ويونس مخيون رئيس حزب النور، حصلا على ترخيص بالخطابة بعد اجتيازهما الاختبارات المقررة (أجرتها الوزارة سرا ولم تعلن عنها) ويحق لهما إلقاء الخطبة في المساجد التابعة للأوقاف.
وقال الدكتور ياسر برهامي، نائب رئيس مجلس إدارة الدعوة السلفية، إن وزارة الأوقاف هي الجهة المنوطة بمنح تصاريح الخطابة، مؤكدًا أن حصوله هو، والدكتور يونس مخيون، رئيس حزب النور، على تصاريح الخطابة تم وفق القانون واللوائح".
وأشار "برهامي" في تصريحات صحفية إلى أنه لم يتم منحهما التصاريح على أي استثناء أو تدخل أي جهات لمثل هذا الاستثناء، موضحًا أنهما التزما بما تقرره الوزارة من موضوع الخطب الموحدة، ومدة الخطبة، وعدم استغلال المسجد في الدعاية السياسية، وهذا أمر متابع بالضبطية القضائية لمفتشي وزارة الأوقاف.
ولفت نائب رئيس "الدعوة السلفية"، إلى أن ما وقع من تنازل عن القضايا المرفوعة ضد وزارة الأوقاف جاء لعدم وجود مقتضى الاستمرار في الدعوى لمنح الوزارة التصريح بالخطابة وفقًا للقانون واللوائح.