رئيس التحرير
عصام كامل

أدباء الخارج يسجلون شهاداتهم في معرض الكتاب


أفرد معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته السادسة والأربعون, مساحه مقبولة لأدباء مصر المقيمون في الخارج, ولم ينسي مبدعون فرضت عليهم الظروف الهجرة, والتقي جمهور المعرض مع المغردون من الخارج في ندوة بعنوان " أدباؤنا في الخراج", أدارها الشاعر أحمد سراج.

 

وقد أرسل الكتاب أربع شهادات مصورة مدة كل شهادة سبع دقائق تقريبًا يتحدث فيها كل كاتب عن ظروف خروجه وكيف واءم بين العمل والإبداع وكيف قاوم الإحساس بالغربة.. فيما يلقي الضوء على تجاربهم الأكاديمي أحمد الصغير؛ لاقترابه من كتاباتهم ولكونه قضى جزءًا من عمره خارج مصر.

 

وحرص منظمو الندوة علي تنوع الجنس الأدبي، مع تقديم الكاتب المختار نصوصًا لافتة، ووجود فارق عمري يسمح بقياس فرق التجربة خصوصًا في ظل تطور وسائل الاتصال التي يفترض أن تقلل الإحساس بالغربة.

 

والكتاب المختارون هم: أشرف أبو اليزيد، شاعر وروائي، وشريف صالح، كاتب وصحفي مصري مقيم في الكويت، ومحمد عبد الحميد توفيق، شاعر مصري مقيم في الكويت، صحافي في جريدة القبس, ووليد علاء الدين، شاعر وكاتب مسرح وإعلامي مصري، يعمل بالصحافة الثقافية العربية منذ عام 1996م. يعمل حالياً مديراً لتحرير مجلة (تراث) الصادرة من أبوظبي.

 

وزعم أشرف أبو اليزيد,  أن المسافرَ من مصر، يكادُ ينسخها كاملة ليحتفظ بها معه أينما حل, وقال في سفري الأول كانت شرائط الكاسيت في الأمسيات تعيدني لأيام سمر وبهجة، ومشاعر حب وحنين، وأنا أسمعُ ما تيسر مسجلا على هذه الشرائط، من أغنيات أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم حافظ ونجاة ومحمد منير، ورباعيات صلاح جاهين، والقرآن الكريم يتلوه الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، ودعاء الشيخ سيد النقشبندي،ورسائل الأهل، وذكريات أخرى طبعت على شريط قبل أن تشتتها الأيام.  

 

وأضاف : كنت أسعى للحصول على دوريات مصر الثقافية الشهرية، ومؤلفات الأصدقاء، فإن تعذر وصولها حيث أسكن، أوصيت بها، فتأتي طرودا، أفتح صفحاتها لأجد نفسي في مصر وكأني أجلس على النيل، أشم رائحة عربات البطاطا والذرة المشوية، وأنا أتأمل المياه بجانبي، حتى وإن كانت مياه الخليج المالحة، فنحن نرى ما نحب أن نراه، ونشَبِّه الأماكن هنا، بمقاصد جغرافية مصرية، وكأننا ننزع عنها صفتها الخليجية، كأن ذلك الشارع هو الذي تركناه وراءنا، وتصعد الأفكار بنا للسماء، لنتأمل بها قمرا يطل متعجبا على المكانين معا.


وأوضح ان المعضلة الأكبر تبرز حين يعدُّنا أصحاب المكان الخليجي غريبين عنه، ويعاملنا في دوائره الرسمية وكأننا أعداء، لذلك لن تخرج من تحت سمائه إلا بتصريح، ولن تعيش على أرضه سوى بكفيل، حتى ولو كان الكفيل لدي ـ في سلطنة عُمان ودولة الكويت ـ وزارة الإعلام، فأنت رقمٌ لوافدٍ، يراك الخليجي تزاحمه هواءه، وتشاركه ماءه، وتقاسمه مورده، حتى ولو كان يراك تعمل، وهو يكتفي بالمراقبة, وإذا كان ذلك مفهومًا، وربما يكون مقبولا، فليس الأمر على الجانب الآخر بمفهوم أو مقبول؛ وهو كيف يعاملك قرينك في الوطن.

 

وأضاف: ان الكاتب المقيم في مصر، يرى أنه ليس من حقك أنت المسافر أن تشاركه النشر في مطبوعات الدولة، وليس من حقك أيضا أن تكون عضوا باللجان الموزعة على الجميع، كما توزع علب المناديل على الجالسين في القطار، علهم يشترون، ويرى، كذلك، أنه ليس من حقك الترشح لجائزة مصرية، إلا بسلطان، وليس من حقك أن تُكرَّم في بلدك، فأنت ـ ويا للعدل ـ أخذت نصيبك من الدنيا، فسافرت، لتملأ جرات الذهب، ولتغترف حقك حيث سافرت، وكأن ذلك التكريم وتلك الجوائز توزع على المصريين المقيمين كما توزع السلع على بطاقات التموين.

 

فيما قال شريف صالح : كان بداخلي هذا الغضب المكتوم، والطموح الذي لا حدود له، وكان الواقع صخريًا يزداد بؤسًا وصلابة. مع ذلك لم أفكر في السفر على الإطلاق، رغم أنني كنت أضطر للعمل بشكل متواصل قرابة خمس عشرة ساعة، ما بين الصحافة وتدقيق الكتب في المشروع القومي للترجمة. ومع ولادة طفلتي تضاعفت الأعباء، وتعثر إنجاز دراساتي العليا في أكاديمية الفنون، وجاء عرض السفر للعمل في جريدة "الأنباء" بمثابة طوق نجاة. عرض لم أسع إليها، ولم أجد سببًا كي أرفضه, ولذلك وافقت وفي قرارة نفسي أن الأمر لن يتجاوز خمس سنوات لترتيب بعض الأمور المادية، فإذا بي أقترب الآن من سنتي الثانية عشرة مغتربًا، وقد ولد طفلي في الاغتراب.

 

وأضاف : ساعدني السفر في الاستقرار المادي نوعًا ما، والاستقرار النفسي والأسري، وساعدني في ترتيب وقتي الذي كان مهدرًا في مصر بين أكثر من عمل إضافة إلى ازدحام لا يرحم, لكن ثمة جانب سلبي لهذه الهجرة الطويلة نسبيا، فمجتمعات الخليج مع كل التقدير لها، متشابهة ونمطية ولا يمكن مقارنتها ببلد مثل مصر الضاربة في عمق التاريخ والجغرافيا بكل طبقات البشر فيها، فيكفي أن ترى شجارا أو تسمع نكتة في الطريق العام كي تُستفز للكتابة, لذلك وجدتني ألجأ كثيرًا في كتابتي إلى المخزون البعيد في الذاكرة.

 

وأوضح أن  قرابة عشرة ملايين مصري يعيشون في الخارج حاليا، منهم حوالي 400 ألف في الكويت وحدها، وهؤلاء قوة ضاربة لمصر.. وقوة ناعمة لها.. إن أُحسن استغلالها.. ولا يقتصر الأمر على إقامة ندوة أو استضافة في التلفزيون.. ولا حتى باعتبارهم مصدرا لتحويل العملة الصعبة.. فمعظم هؤلاء يتميزون بتعليم جيد واستقرار مادي من مهندسين وأطباء وعلماء ورجال أعمال، وبإمكانهم، لو توفرت الرؤية السياسية، أن يغيروا وجه مصر إلى الأفضل، وأن يصنعوا مستقبلها، من خلال مشاركتهم في العملية السياسية، وفي شركات ذات أسهم، وفي إنشاء جامعات ومدارس، وفي استصلاح الصحراء، وفي السياحة، وفي جمعيات تنموية وخيرية. وهم بالفعل يعطون في الخارج في الكثير من هذه المجالات.

 

وقال محمد توفيق: " الحياةُ كلها منفى" لا الغربة وحدها, هذا ما تبينته جلياً عقب أكثر من 10 سنوات ذهاباً وإياباً عبر مطارات بلاد الله، تلك المطارات التي رغم حفظي لكل تفاصيلها ومروري المتكرر بأروقتها إلا أنها لا تعرفني، ولا تألفني .. ومن ثم يظل وجهي ناتئاً عن روح المكان وقلبي نابضاً بجهات أخرى ملأى بالغبار والعواء والصخب وحفيف غيطان قصب السكر’ ودفقات النخيل الشامخ بحثاً عن نيل صعد إلى سماء الله ولم يعد منذ  عشرات السنين.

 

الجريدة الرسمية