رئيس التحرير
عصام كامل

ولا ألف شيماء !


 

 

لو لم تكن جماعة الإخوان موجودة في مصر فكريا في عقول وقلوب تابيعها وواقعيا في الشارع بفعل حماقاتها المتكررة سفهًا وغباءً، لاخترعتها الحكومة ولباركتها وطلبت منها التواجد حتى يشعر الشعب بنعمة الأمن الشكلى الحكومى في مقابل فزع العنف الذي ترتكبه الجماعة بوضوح هذه الأيام والحادث في مناطق متنوعة والذي تقر به وتفاخر بكل بلاهة !

لقد حدث تغير محورى في علاقة الجماعة بالعنف والذي كانت حتى فترة قريبة جدا تدينه بكل قوة وتدعى أنها براء منه ولكن... منذ ذكرى ثورة 25 يناير والتي لم يكتف الإخوان ببيعها في صفقة مع مؤسسات الدولة العميقة التي عانت منها لاحقا حتى استطاعت الإطاحة بها من سدة الحكم، بل إنهم يتفنون في تشويهها بكل حماقة من خلال سلسلة التفجيرات والحرائق التي تباهى بها الجماعة من خلال قنواتها التي تبث من تركيا ملصقة إياها بالثورة... وكأن الثورة عندهم صارت حرقا وتخريبا وهدما لممتلكات الدولة والشعب!

لو كان هناك مجموعة من منظرى علم السياسة من غير المصريين يدرسون الواقع المصرى الآن لظنوا أن هناك ثمة تحالف غير معلن بين النظام المصرى وتلك الجماعة الحمقاء، تحالف يقوم على خدمة النظام بتجهيز ردود جاهزه لإخفاقه في تحقيق الحد الأدنى المقبول للشعب من وسائل الحياة المعقولة وتوفير سبل عادلة للحراك المجتمعى والانتقال الطبقى والذي يتمثل دوما في مصر في اتجاه أحادى هبوطا من الطبقة الوسطى للأفقر ثم انبطاحا لما دون خط الفقر المعترف به دوليا والذي صار حلما بعيد المنال لملايين من المصريين، بينما الانتقال الطبقى الصاعد تيبس وتجمد عند امتلاك المال للوصول للمناصب العليا والحصول على قدر مبالغ فيه من الوجاهة المصنطعة قوامها رعب الأضعف من الأقوى صاحب المنصب والمال وسيد القانون الذي إما يصنعه بإرادته أو ينفذه حسب هواه !

لاحظ حدوث ذلك بعد ثورتين هب فيهما جزء من الشعب المصرى لتحقيق عدالة اجتماعية في ظروف سابقة أفضل بكثير من ظروفه الحاليه ومع ذلك، كره المصريون الثورة بسبب أشياء كثيرة وعواقب وخيمة و(عقوبات) أيضا مسته بشكل مباشر وغير مباشر كان الإخوان سببا مباشرا فيها إما بتحالفهم المعلن مع مؤسسات الدولة أو بانقلاب مؤسسات الدولة عليهم وانقلابهم هم أيضا عليها وإعلان كل طرف الحرب بشكل صريح على الآخر... ويبقى الضحية دوما هم المستضعفون من الناس وهم كثر لعدم وجود مظلة دولة حقيقية تجمعهم فتمنحهم أمانًا حقيقيا ورعاية فعلية أو لعدم انخراطهم في جماعة قوة تمنحهم غطاء ستر !

لقد حدثت ظروف تعذيب خالد سعيد وقتله في أواخر 2010 وهب الشعب بعدها بشهور متخذا من ضحية التعذيب أيقونة ثورية وتكئة تمنحه حق الاعتراض الفعلى في الشارع بعدما كان في شكل نكات صريحة أو بذيئة على الحاكم... وثار الشعب، بينما الآن صمت الجميع فعليا واكتفى بمصمصة الشفايف أو السب المكتوم أو الدعاء وهو دوما سبيل المستضعفين بجانب تنفيس الفيس بوك وتويتر بالطبع، لم يحرك أحدهم ساكنا بالنزول للشارع مع مقتل امرأة..(ست)، كما كان يقول أجدادنا الفراعنة الذين أشك في انتسابنا لهم على الأقل من الناحية الإبداعية والنفسية، كلمة ست كان لها، حتى وقت قريب، مفعول السحر في تحريك جينات الشهامة المصرية التي تبلدت مع مرورها بكثير من مشاهد العنف والقتل والسطو.... لم يتحرك أحد حتى ممن رأى بعينيه شيماء يُستباح دمها وتموت واقفة كالأشجار بل كالجبال شامخة شاهدة على تسلل العفن إلى قلوبنا وأرواحنا.

لم يطلب منهم أحد الاشتباك مع من قتلها ولكن حتى مجرد التحرك لأنقاذها لم يحدث !، يخشون ماذا... لا تدرى، هل يخشون الشرطة التي توجه رساله بأن كل من يعترض لا دية له أم يخشون وصمتهم بالانتماء للإخوان الذين أضاعوا فرصة ثورة لن تكرر حتى وقت بعيد أم ماذا !

إذن لا تكفى شيماء واحدة أو حتى ألف شيماء لتحريك ما أماته النظام والإخوان في الشعب، كلاهما تعاون مع الآخر ثم انقلب على الآخر ثم انقلب الاثنان فعليا على الناس وتحالفا عليه أيضا حتى ولو بدون اتفاق معلن أو حتى خفى... إنه تحالف المصالح المتناقضة شكلًا !
fotuheng@gmail.com


 

الجريدة الرسمية