دولة القوة...هشة!
حق علينا أن نخلص النصيحة لكل من يتولى إدارة هذا الوطن حتى وإن كنا نختلف مع طريقة إدارته وسياساته وقناعاته، وربما كان هذا هو سبب أولى لخلافى مع غالبية أفراد جماعة الإخوان الذين أصادفهم في مكان عام أو ندوة أو غيرها أو حتى من خلال منشوراتهم ومدوناتهم المختلفة، إذ إنهم يتمنون سقوط كل شىء في مصر صراحة ودون خجل حتى يشعر الناس بخطيئتهم تجاه إسقاط الجماعة مع أن سياسات الحكومة المحلبية تسهم في ذلك يوميا، فليسقط الاقتصاد ولتنهر العملة حتى شعروا بالندم على الإطاحة بالرجل الطيب مرسي حافظ كتاب الله )... هكذا تحدث أحدهم أمامى وأيده آخرون منهم !
كانت الجماعة وما زالت هي وطن الإخوان وجيتو التنظيم الذي يجد فيه فردوس الأرض الموصول بفردوس السماء ولذلك لا أندهش من سلوك وتطرف ونزق كل من يتمنى زوال وطن مقابل فرض سطوته أو أيديولوجيته حتى وإن كانت في نظره هي الخير كله والعدل المطلق!
لكن.... هل اختلف النظام الجديد القديم التالى لحكم الجماعة المستمر واقعيا وفكريا وتنفيذيا منذ السادات وليس حتى مبارك ولا أقصد به رئيس الدولة فهو فرد وسط منظومة شديدة التعقيد، هل اختلف عنها وتخلى عن مرض الانفراد بالسلطة والتشرنق حول ذاته متوهما أن القوة وفقط هي النجاة من كل شر؟...لا أعتقد كذلك، فإن كان الإخوان يعتقدون أن لُحمة الجماعة وتنظيمها المحكم وعدد أفرادها الكبير نوعا ما، قد عصمهم من غضبة الجميع عليهم، فإن النظام الذي لم يتغير لم يتعظ ولم يقرأ مفردات الحياة في مصر وغلبت عليه أوهام مفادها أن القوة فقط هي التي يمكنها أن تحكم بعيدا عن الكفاءة والنزاهة والإبداع في التخطيط والتنفيذ.
فالمعروف والمسلم به أن جوهر السياسة هو حُسن تسيير أمور الناس والاهتمام بمفردات حياتهم اليومية من خلال إدارة واعية بدورها وعلى قدر كبير من الكفاءة والإخلاص وليست على قدر عظيم من الألقاب والنياشين والأوسمة وكذلك يكون النجاح الذي لا نعرفه في مصر بكل أسف وإليك بعض الأمثلة القليلة التي تؤكد تلك الحقيقة المرة:
فبعد 25 يناير القادم، سيتم إعلان حركة المحافظين وبالطبع مجرد ذكر التاريخ يسوغ للحكومة تأجيل إقرار الحركة وتغيير المحافظين وهم الحكام التنفيذيون للبلاد، حتى تمر ذكرى الثورة بسلام مقتنعين وقانعين بأن وجود لواءات أو رجال أمن أقوياء كاف جدا لإحباط أي انفلات أو حتى دعوات للتظاهر وهذا في حد ذاته وهم..
لأن الثورة لا تحتاج لقوة لقمعها إن كانت مشتعلة في النفوس وهذا بكل صراحة ليس بحادث الآن ولا غد لأن حالة الإحباط مسيطرة على عصب الثورة وهم الفئات الأكثر إيمانًا بالحرية والعدالة والمساواة عمن يحتاج ذلك فعليا أكثر من دعاتها، فلمن يثور الثائرون إن كان من يحتاج التغيير قانعا وقابعا خلف استساغته للظلم والكبت والقمع والتمييز...
إذن لا تنتظروا ثورة قادمة في يناير أو غيره لوقت ليس بالقصير، فالغالبية المعتادة على سنوات مبارك والسادات لن تتحرك وإن كانت تنمى داخلها سخط عام ينفجر فقط في حالة الجوع القاتل والشلل الحياتى التام، فإن ظل الباب مواربا فقرا وذلا وتضييقا رضوا به وحمدوا الله على بلواهم بكل إيمان وتنطع لا برضاه الله أبدا لعباده!
اتجه شمالًا بنظرك للإسكندرية حيث عروس البحر المتوسط سابقا والغارقة في مياه المجارى حاليا ومع ذلك لم تغير الحكومة محافظها حتى تاريخه... أداء عبثى ممل لا يمكن تصديقه سوى في أم الدنيا والعجائب والغرائب !
عظيم جدا من شدة بلائه، إن كان أداء الحكومة بالإبقاء على محافظ الإسكندريه قناعةً منها بأن الرجل قوى فهو لواء سابق، بغض النظر عن صلاحيته للعمل في هذا الموقع الذي ربما لا يناسب قدرات الرجل وإبداعه إن ظل في موقعه الأصلى أو موقع أفضل منه، لكن المدهش بحق هو الإبداع المصرى في قبول القهر والقرف والضيق والعبثية من مواطنى الإسكندرية!
فبدلا من الصراخ احتجاجا والذهاب لرئيس الحكومة مطالبين جميعا بحل لأزمة طفح المجارى التي حاصرتهم في بيوتهم ومحالهم ومدارسهم وكل سبل الحياة، اكتفى معظمهم بمعايشة القذارة بوضع أحجار للمشى فوقها، ثم فشلت لارتفاع منسوب الصرف فخلع بعض الرجال سراويلهم حتى يسيروا في المياه العفنة ثم وصل الأمر بهم لاستخدام قوارب وكأنهم في بحر!
إن ذلك الفشل والعبثية التي لا يمكن تصديقها في كوكب الأرض الذي نختلف عنه كليا في السياسة والفكر والإدارة، يثبتان لنا أن دولة القوة هشة... نعم هشة وضعيفة ومتهالكة في حد ذاتها ولكنها قوية بفعل الثقافة الفاسدة السائدة أو عند المحكومين وليس الحاكمين فقط، الأمر يعود لتدنى الثقافة وتحقير الذات والتعود على الفساد بل والاستمتاع به والتعايش على أمراضه وكأنها أمر واقع مسلم به، لذا فنحن في طريق التقدم وبكل قوة لكن للخلف بكل أسف ما دمنا بتلك الثقافة العامة التي تحيا على وهم القوة الهشة!
fotuheng@gmail.com