رئيس التحرير
عصام كامل

حيثيات قضية «مذبحة رفح الثانية»: المتهمون يعتنقون فكر «القاعدة» واعترفوا بارتكابهم للجريمة.. عقدوا اجتماعاتهم التنظيمية في مسجد بالشرقية.. عادل حبارة أقر بصحة المحادثات المُسجلة


أكدت محكمة جنايات القاهرة برئاسة المستشار محمد شيرين فهمي، في حيثيات "أسباب" حكمها الصادر في قضية "مذبحة رفح الثانية" – أنه ثبت لديها من واقع فحص محتوىات المحادثات الصوتية المسجلة للمتهمين خاصة المحكوم عليه عادل حباره، وتحريات أجهزة الأمن، وشهادة الشهود، والتقارير الفنية التي احتوتها القضية، أن المتهمين قد خططوا لهذه الجريمة النكراء إنطلاقا من أفكارهم التكفيرية التي تدور حول تكفير الحاكم وشرعية الخروج عليه، ومعاملة رجال الجيش والشرطة معاملة المرتد وإستباحة قتلهم، ومن ثم فقد تمت هذه الجريمة في إطار حركة إجرامية، تنفيذا لتلك الأفكار التكفيرية.

صدر الحكم برئاسة المستشار محمد شيرين فهمي وعضوية المستشارين عبد الشافى عثمان وحماده الصاوي.

أدلة الإدانة 
 وأضافت المحكمة في حيثياتها التي تجاوزت 450 صفحة، أنه قد استقر لديها صحة نسبة الاتهام إلى المتهمين وثبوته في حقهم ثبوتا كافيا، والأدلة على إدانتهم قد توافرت من تلك المحادثات المسجلة، والتي مؤداها أن المتهمين بعد أن فكروا وتدبروا ورسموا خطتهم في هدوء وروية، عقدوا العزم وبيتوا النية بإصرارٍ سابق على قتل المجنى عليهم إنطلاقا من إعتناقهم للأفكار التكفيريه، وكمنوا لهم في طريق العريش – رفح الذي أيقنوا سلفا بمرورهم منه، وما أن أبصروهم حتى إستوقفوا السيارتين اللتين يستقلونهما وأجبروهم على الترجل منهما وطرحوهم أرضا، ثم تناوبوا إطلاق الأعيرة النارية عليهم قاصدين قتلهم فأحدثوا بهم الإصابات الموصوفة بالتقارير الطبية والتي أودت بحياة 25 جنديا وإصابة ثلاثة آخرين، مما يوفر في حقهم جناية القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد المقترنه بجنايات قتل 24 جنديا عمدا مع سبق الإصرار والترصد وجنايات شروع في قتل كما هي مُعرفه قانونا.

زعزعة الاستقرار 
وأشارت المحكمة إلى أن تلك الجنايات جاءت تنفيذا لغرض إرهابى بقصد الاعتداء على الأرواح من أجل زعزعة الاستقرار والإضرار بالنظام والأمن العام.. لافتة إلى أنها تطمئن إلى صحة وسلامة المحادثات الهاتفية التي أعلن فيها عادل حباره مبايعتها لـ أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق والشام "داعش".

اعترافات حبارة 
 وأكدت المحكمة أن المتهم عادل حباره أقر بالتحقيقات بصحة المحادثات الهاتفية موضوع الاتهام، وأنها بصوته، كما أكد خبير الأصوات أن المحادثات الهاتفية بصوت "حباره" علاوة على ما أكدته تحريات جهاز الأمن الوطني، والتي أثبتت ارتكابه لجريمة قتل الجنود المجنى عليهم عمدا مع سبق الإصرار والترصد وشروعهم في قتل ثلاثة آخرين على نحو يحقق الإقتران، وكان إرتكابهم لهذه الجريمة تنفيذا لعمل إرهابى.

 وذكرت المحكمة أنه تأكد لديها، أن المتهم محمد محمد إبراهيم سعيد قد أدار جمعية تحمل اسم مفاتيح الخير بناحية أولاد فضل بمحافظة الشرقية، بهدف تمويل التنظيم الإرهابي الذي ينتمي المتهمون إليه، وهي جمعية غير مشهرة لدى وزارة التضامن الإجتماعى، وأن المتهم كان يستغل إعاقته في جمع التبرعات من الأغنياء بالبلدة بحجة توزيعها على الفقراء، إلا أنه كان يستخدم تلك المبالغ في شراء أسلحة للمتهم الأول محمود محمد مغاورى محمد (وشهرته أبو سليمان المصرى) وجماعته من مركز أبو حماد بالشرقية.. مؤكدة أنها تطمئن لما انتهت إليه التحريات من أن المتهم محمد سعيد كان تلقى تبرعات المواطنين بزعم إنفاقها على الأيتام وفقراء المسلمين ثم يستخدمها في تمويل الجماعة الإرهابية التي أسسها المتهم الأول.

أقوال المتهمين 
وقالت المحكمة إنها تطمئن أيضا إلى صدق أقوال المتهمين إبراهيم محمد يوسف، وأحمد مأمون محمد، ومحمد إبراهيم عبد الله عساكر، ومطابقتها للحقيقة والواقع، لاسيما وقد عززتها تحريات الشرطة، وتستخلص منها أن المتهم الأول محمود محمد مغاورى قد أسس جماعة تستهدف إلحاق الضرر بالمجتمع، وإنصرف مقصودها إلى الإخلال بالنظام العام بجميع عناصره سواء كانت إقتصاديه أو أمنيه أو إجتماعيه أو ثقافيه، وذلك من خلال نشر أفكاره التكفيريه التي قامت على تفسير خاطئ لتعاليم الدين الحنيف، وتصديه للإجتهاد رغم ضحالة علمه وفكره وثقافته وهو الذي يعمل في تجارة الأحذيه.

 وأوضحت المحكمة أن المتهم الأول تولى زعامة وقيادة في الجماعة، من خلال السيطرة على أعضاء الجماعة والتأثير فيهم، بحيث أصبحت طاعتهم له مطلقه، وقد إتجهت هذه الجماعة إلى استخدام القوة والعنف والتهديد، فكانوا يجوبون البلده حاملين السلاح، مروعين الأهالي الذين يخالفونهم الرأى، ومن ثم فإن المحكمه تعتبرها جماعة إرهابية أنشأها وإدارةا المتهم الأول لتعطيل القوانين ومنع مؤسسات الدوله وسلطاتها من ممارسة أعمالها والاعتداء على الحرية الشخصيه للمواطنين وتولى زعامتها وقيادتها مستخدمًا الإرهاب في تنفيذ أغراضها.

وأكدت المحكمة أنها تأكد لها، من واقع التحريات والتسجيلات الصوتية، بتولي المتهم عادل حباره لقيادة ذات الجماعة بالاشتراك مع المتهم الأول (أبو سليمان المصري) وكان يحضر إجتماعتها وبعد فراره من الشرقيه على أثر إرتكابه واقعة قتل وصدور حكم غيابى عليه بالإعدام، فر إلى شمال سيناء وقام بتكوين خلية فرعية عنقوديه بتكليف من المتهم الأول، تهدف إلى المساس بالسلم والأمن العام، وتولى قيادتها بما له من تأثير تنفيذى بحكم القواعد التي تحكم التنظيم.

 وأضافت المحكمة أن عادل حباره أقر في محادثته الهاتفية المأذون بتسجيلها والتي دارت بينه وبين المتهم الخامس والثلاثون عمرو زكريا شوق شطا بتاريخ 23 أغسطس 2013 أنه أسس جماعة كناها باسم ( المهاجرين والأنصار في أرض الكنانه) وأقر أنه قام بشراء أسلحة، علاوة على مبايعته لتنظيم الدولة الإسلاميه في العراق والشام (داعش) ومسئول التنظيم المكنى أبو بكر البغدادى حينما قال ( أنا أبايع أبوبكر ومستعد أنا وكل الإخوه اللى معايا بفضل الله عز وجل ).

وأشارت المحكمة إلى أنه بالنسبه للمتهم عمرو زكريا شوق شطا المكنى أبو سهيل - والذي كناه المتهم الثانى بالتحقيقات " عمرو الدمياطى" - فقد قامت الأدله على قيامه بتمويل العمليات الإرهابية التي تقوم بها الجماعة، والتي يتولى قيادتها المتهم الثانى (عادل حباره) وذلك من واقع ما ثبت من المحادثة الهاتفية المأذون بتسجيلها، والتي أقر بصحتها المتهم حباره.

وأضافت المحكمة أن عادل حباره قرر باعترافاته، أن محدثه عمرو الدمياطى (بإحدى التسجيلات الصوتية) هو مصرى سافر إلى سوريا للجهاد، وكان يحدثه ليخبره أن أبو بكر البغدادى " زعيم تنظيم دولة الإسلام العراق والشام " يطلب منه مبايعته، وأنه أرسل له مبلغ عشرة آلاف دولار لاستخدامها في عمليات إرهابية داخل مصر، وقرر له أنه سيرسل له هذا المبلغ مع المكنى أبو عبيده المصرى أمير جيش محمد.. كما ثبت لدى المحكمة من واقع التسجيلات للمحادثات الهاتفية طلب المتهم عمرو الدمياطي إمداد الجماعة بأسلحة وقذائف صاروخية من طراز (الا بي جي).

تسجيلات صوتية 
وأكدت المحكمة أنه ثبت لديها من واقع المحادثات الهاتفية المأذون بتسجيلها والتي دارت بين المتهم الثانى عادل محمد إبراهيم محمد والشهير " عادل حباره " والمتهم الخامس والثلاثون " عمرو زكريا شوق شطا " بتاريخ 23 أغسطس 2013 ارتكابهما لجريمة التخابر مع من يعملون لمصلحة جماعة إرهابية مقرها خارج البلاد للقيام بأعمال إرهابية بالبلاد، وأن الأخير إلتحق بتنظيم القاعده ببلاد العراق والشام وأصبح عضو مجلس شورى بذلك التنظيم - والذي يقع مقره خارج البلاد – وأنه يعمل لمصلحة ذلك التنظيم، حسبما جاء في محادثته الهاتفية مع المتهم الثانى.

 وقالت المحكمة إنها تستخبص من العبارات الواردة بالتسجيلات الخاصة بالمحادثات الهاتفية، سعى المتهم الثانى (عادل حباره) لدى المتهم الخامس والثلاثين (عمرو زكريا شطا) الذي يعمل لمصلحة جماعة مقرها خارج البلاد، وهى جماعة دولة الإسلام في العراق والشام، وتخابره معه للقيام بأعمال إرهابية داخل مصر وضد ممتلكاتها ومؤسساتها وموظفيها ومواطنيها.

 وأوضحت المحكمة أن المتهم عمرو زكريا قد قام بتحريض عادل حباره على رصد المنشآت العسكريه بسيناء تمهيدًا لإستهدافها والعدوان عليها، وإتفق معه على ذلك، وعلى إعداد مقطع فيديو مسجل يعلن فيه مبايعته لزعيم تنظيم القاعده ببلاد العراق والشام المكنى " أبو بكر البغدادى " وساعده بأن أرسل له مبلغ عشرة آلاف دولار لإتمام ذلك، ومن ثم فقد تحققت أركان جريمة التخابر لدى المتهمين.

 واختتمت المحكمة حيثيات حكمها مؤكدة أنها ترى من إستقراء الأوراق أن الواقعة في نطاق ما إستخلصته على النحو سالف البيان، ثابتة قبل المتهمين ثبوتًا كافيًا لإدانتهم، إذ تطمئن إلى شهادة شهود الإثبات، وإلى ما تضمنته التقارير الطبيه والتسجيلات الصوتيه للمحادثات الهاتفية المأذون بتسجيلها من النيابة العامه، وما استمعت اليه المحكمه، ويرتاح وجدانها إلى الأخذ بها سندًا للإدانة وتعتبر أن إقتناعها بأدلة الإثبات المار بيانها رفضًا منها لما أثاره دفاع المتهمين من اعتبارات وأوجه دفاع موضوعيه قصد بها التشكيك في تلك الأدلة لحمل المحكمة على عدم الاخذ بها، ولا تعول على إنكار المتهمين بحسبان أن تلك هي وسيلتهم في الدفاع لدرء الاتهام بغية الإفلات من العقاب.

 ووجهت المحكمة رسالة إلى الأزهر الشريف داعية إياه إلى الاضطلاع بدوره في مواجهة الشطط الديني والفكري بين قطاعات الشعب المصري، والإعلاء من وسطية الإسلام والوقوف تجاه التطرف وتجديد الخطاب الدينى لكى يساير العصر الذي نعيش فيه.

رسالة للأزهر 
 وقالت المحكمة في رسالتها إلى الأزهر التي تضمنتها الحيثيات: "إن مصر تواجه تيارات دينيه تتسم بالعنف، فقد تسللت للساحة المصرية مدارس دينيه تمثل التشدد والتطرف الدينى مما يوثر على المستوى الفكرى والسلوكى والأمني، والأزهر باعتباره قلعه من قلاعنا العريقه ومنارة الإسلام التي أرست قواعد الوسطية الدينيه التي وجدت دائما مناخًا مناسبًا لها بين المصريين الذين يرفضون التشدد ويؤمنون بسماحة العقائد، عليه أن يواجه الشطط الدينى والفكرى بين قطاعات كثيره داخل مصر ليعيد للشعب المصرى وسطيته وإعتداله، ويعلى من وسطية الإسلام ويقف بالمرصاد للتطرف والتفريط على السواء".

 وأضافت المحكمة أن على الأزهر أن يعيد ترتيب الأذهان المخدوعه، والأذهان التي ران عليها الجهل، والأذهان المختطفه في جماعات وحركات تحتكر لنفسها الإسلام والحديث باسمه والدفاع عنه، ليعود للأزهر مرجعيته في تفسير مبادئ شريعة الإسلام وأحكامها، ويُبسِط للناس قواعد الفقه ويفرق بين العبادات والمعاملات المستمدة من العقيده وبين أصحاب المصالح والأغراض المتمسحين بالدين لإحراز مكاسب ومناصب وسلطات، ويقوم بدوره في التقريب بين المذاهب سواء كانت السنه أو الشيعه أو تيارات دينيه أخرى تسعى للإجتهاد، وهو ما يتطلب فتح أبواب تجديد الخطاب الدينى لكى يساير العصر الذي نعيش فيه.

 وأكدت المحكمة – في رسالتها إلى الأزهر - أن الخروج من العصر ورفض الحضاره التي يعيشها عالم اليوم خسارة في الدين والدنيا معًا. ومازال لدينا علماء أجلاء يمكن أن يقوموا بهذا الدور أمام هذا الكم الرهيب من البلاهة والسطحية والتشدد الذي أساء للإسلام أمام العالم كله، فهناك موجات من الفكر المتطرف إجتاحت في السنوات الأخيره الأقطار الإسلاميه، وأصبح من واجب علماء الأزهر أن يواجهوا هذا المد الخطير الذي ترك خلفه أجيالًا مشوهة في سلوكها وفكرها وموقفها من الحياه، ويجب على علماء الأزهر الشريف وهم علماء كبار فتح الحوار مع أصحاب العقائد والأفكار الأخرى بعقلانية وفهم وقدرة على الإقناع.

جدير بالذكر أن المحكمة كانت قد أصدرت حكمها في 6 ديسمبر الجاري، حيث قضت بمعاقبة الإرهابي عادل حباره و6 متهمين آخرين، بالإعدام شنقا، ومعاقبة 3 متهمين بالسجن المؤبد لمدة 25 عاما لكل منهم، ومعاقبة 22 متهما آخرين بالسجن المشدد لمدة 15 عاما لكل منهم، وبراءة 3 متهمين آخرين مما هو منسوب إليهم من اتهامات.

الجريدة الرسمية