«سلخانة دور النشر».. حكايات من دفتر حقوق الكُتاب الضائعة.. سمير زكي: تنتهك وتقهر حرية المؤلف.. أحمد سراج: تحكمها العشوائية وتحتاج لـ«ثورة تصحيح».. محمد كشيك: تهتم بالربح ولا يعنيها
علاقة الكاتب بالناشر غالبا ما تكون متوترة، عكس ما يظهر في حفلات التوقيع، عندما يجتمع الاثنان لالتقاط الصور التذكارية، التي تتصدرها ضحكة عريضة فقط من أجل "اضحك الصورة تطلع حلوه"، لكن خلف كل صورة أزمة لا يعلمها سوى الكاتب، في ظل وجود ممارسات قبيحة من قبل بعض الناشرين.
رحلة عذاب
رحلة عذاب يسيرها الكاتب مع دور النشر، ابتداء من تقديم العمل، حتى الموافقة عليه بعد مدة فحص قد تصل إلى 3 شهور، وبعدها تبدأ مرحلة إمضاء العقد الذي بالطبع يحتوي على شروط مجحفة التي لا تختلف من دار لأخرى سوي في الصياغة، يشعر الكاتب أن مرحلة إيجازة العمل وكتابة العقد هي الأهم، لكن يشعر باليأس عندما يجد عمله حبيس الأدراج لمدة قد تصل إلى 4 سنوات، وعند سؤاله عن التأخير لا يجد بالطبع ردا شافيا.
ويستمر يتردد على الدار حاملا هداياه، مصحوبة بتوسلات، التي لا تجدي مع صاحب دار النشر الذي يشعر بنفسه الحاكم الناهي، هو من يصدر الفرمان لخروج عمل المسكين للنور، أو لا، وبعض دور النشر لا تنشر أعمالا للكتاب الشباب، بل تبحث عن المشاهير الذين تدفع لهم آلاف الجنيهات وقد تصل لمئات الآلاف، إلى جانب الدعاية الكبيرة، وهذا حقها لأنها تبحث عن الربح فقط.
في حين يجبر بعض دور النشر الكتاب خاصة الشباب منهم، إذا كان العمل الأول لهم، على تحمل تكلفة الطباعة كاملة، بدعوى أن كتابه لن يبيع أو أنه غير مشهور، ويكيفه فخرا أن يوضع اسم الدار على عمله، وبالطبع لا ننسى أن الكاتب لن يحصل على عائد من مبيعات عمله تحت شعار "كتابك مش بيبع ومركون على الرف"، وهو ما لا يستطيع الكاتب اكتشاف حقيقته إطلاقا.
تنتهك إرادة الكاتب
أكد الروائي سمير زكي، أن المناخ الأدبى في مصر يمر بأسوأ فتراته، حيث تقوم دور النشر بانتهاك حرية الكاتب وقهره بالكثير من الوسائل الشرعية وغير الشرعية، مما يعمل على هبوط المستوى الأدبى وتدنيه إلى أحط المستويات، ولا يخفى على القارئ الذي يفرح لنجاح كاتبه أن هذا الكاتب من الداخل مقهور، ومحطم بسبب سوء المعاملة التي يتلقاها من دار النشر لطباعة مثل عمله الأدبى الذي يخضع فيه لهيمنة وسطوة وجبروت أصحاب دور النشر الضعاف النفوس الذين لا يفقهون أي شيء عن الأدب سوى ترجمته إلى أرقام وأوهام خيالية للتحكم في آليات السوق الأدبى.
وأوضح زكي لـ"فيتو": أن المعاناة تبدأ مع الكاتب منذ كتابة عقد النشر وشروطه المجحفة التي بشكل أو بآخر لن تختلف من دار إلى أخرى إلا في أسلوب الصياغة وكأنهم كلهم تكالبوا على فريستهم ألا وهو الكاتب فاتكين به وهو المبدع الأول الذي لولاه لكانوا باعوا ذرة مشوية على الأرصفة، ومن ثم ننتقل إلى مشكلة العمل الأول الذي ما غالبًا يصد في وجه الكاتب بسبب عدم شهرته وإرغامه على تحمل التكاليف الباهظة في بعض الأحيان لمغالاة دور النشر التي تعتبر نفسها كبيرة الاسم، مكتفين بأن اسم الدار كفيلة بأن تبيع، وليس العمل، ولذلك لكل شيء ثمن، وإذا لم يعجبك فالباب "يفوت جمل".
ويرضخ الكاتب من أجل أن يرى عمله النور وتأتى المنظومة الخربة الانتهازية في أن الكتاب لا يتم توزيعه بل ملقى على الرف لدى الناشر، والسبب لأنه ليس لديه موزع أو خلافه مع المكتبات مما يجعل الكاتب يأخذ على عاتقه عبء توزيع العمل وإلا ظل على الرف.
واختتم كلامه قائلا: أخيرًا نأتى ليوم الحساب الذي ليس له ميعاد محدد؛ لأن بالدليل القاطع لن يستطيع كاتب أن يعرف مبيعات كتابه الذي يظل سرًا حربيًا، ودائمًا أبدًا ما ينتهى بمقولة: «كتابك لم يبع يا أفندى»، ويبقى اللغز أين الكتاب في السوق؟؟! وتساءل إلى متى تستمر تلك المهزلة الأدبية والفضيحة الأخلاقية؟؟!.
الموضوع يا سادة لم يعد طفرة أو ظاهرة بل أسلوب حياة مريض ينبئ بهبوط حاد في الدورة الأدبية ولا عزاء للكاتب، والنصب كل النصب بدور النشر التي لا تراعي الله في معاملاتها.
تحكمها العشوائية
طالب الشاعر أحمد سراج، بوجود قانون يحمي حقوق جميع الأطراف "كاتب وناشر"؛ من خلاله يتم وضع قواعد للتعامل الفني والمالي، وهذا يحتاج إلى ثورة هائلة في عالم النشر، وعلينا أن نحصر في البداية كل ما له علاقة بهذه الصناعة.
وأضاف في تصريح لـ"فيتو": أن مشكلة النشر في مصر الأولى هي العشوائية وعدم وضوح قواعد أي شيء؛ هناك دور نشر غير مسجلة في اتحاد الناشرين وتطبع مئات الكتب سنويا، وهناك كتب مسجلة ولا تطبع، كما أن دور اتحاد الناشرين ذاته وقدرته على إجبار الدور على احترام حقوق المؤلف غير واضح.
وتابع: أن النشر في مصر اجتهادي وغير مراقب من خلال جهات محددة؛ لذلك تجد آلاف الكتب التراثية تغطي أرفف المكتبات؛ لأن مؤلفها بلا حقوق، ثم ماذا لو اختلف مؤلف مع ناشر وأراد حقوقه إلى من يلجأ؟.
وأضاف أن للناشر أيضا مشكلاته التي لا يعرف كيف تحل؟، ومنها الأسعار المرتفعة، العزوف عن نوعيات كتب، والتنافس الشديد، وفي غيبة الوضوح والنظام يجور كل طرف على الأضعف، وهنا يدفع الكاتب الثمن الباهظ.
تحتاج ضوابط
أكد الشاعر محمد كشيك أنه يجب أن تحل مشكلة الكاتب والناشر من الجذور، خاصة وأن دور النشر لا تعمل من أجل معونة الشتاء، فهناك كثير من الممارسات غير المقبولة من قبل دور النشر، تتطلب تدخل الدولة لوضع المعايير التي تنظم العلاقة بين الكاتب والناشر.
وأوضح كشيك في تصريح لـ"فيتو": إن أفق الدولة ضيق، وتضع العديد من العراقيل، وبإمكانها إقامة دور عامة للنشر، كفرع يتبع هيئة الكتاب، تديرها عقلية إدارية متميزة، قادرة على الفرز والتجنيب، والعمل على اكتشاف المواهب الجديدة، التي تحتاج بالفعل إلى معاونة، خاصة أن دور النشر الخاصة تهتم بالربح ولا تطبع غير ألف أو ألفين من الكتاب الواحد.
وأوضح: أن مشاكل دور النشر تتفاقم بطول المدة، وعلى من يلجأ لدور النشر الخاصة تحمل العواقب، وأشار إلى أن المحسوبية موجودة في كل عمل عام، ليس في هيئة الكتاب فقط، لذا وجب اختيار إدارة متميزة قادرة على العمل وسط الأجواء المعتمة.