ابن رشد "فيلسوف الإسلام".. كُتب على الفلاسفة النضال
على مر العصور، ورغم اختلاف الشعوب كُتب على الفلاسفة النضال، يقتلهم الفكر، وترهقهم الاتهامات، معتادون هم على أصابع الاتهام التي تشير إليهم بالكفر والإلحاد والخروج عن تقاليد مجتمعهم، ينبذهم أغلب البشر لأنهم بطبيعتهم لا يفضلون الخروج عن المألوف، ورغم كل ما عانى منه الفلاسفة من قبله، قرر "ابن رشد" السير على دربهم، لكنه لم يخرج كثرا عن المألوف، فقد كان "فيلسوف الإسلام"، إلا أنه واجه ذات المصير "النبذ والتكفير".
اسمه كاملا أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد، لكنه عُرف بـ "ابن رشد الحفيد"، فقد كان جده "ابن رشد الجد" شيخ المالكية وقاضي الجماعة وإمام جامع قرطبة، كما كان جده من كبار مستشاري أمراء الدولة المرابطية، عاش ابن رشد في الأندلس، وورث عن عائلته الوجاهة، وعن جده القضاء، فعين قاضي قرطبة ومن بعدها قاضيا لاشبيلية، وقربه منه الخليفة أبي يعقوب يوسف، وصار طبيبه الخاص، وكان يستشيره في الكثير من أمور الدولة.
لم يكتف ابن رشد بالعلم الغزير الذي يملكه، حيث كان طبيب، وفقيه، وقاضي، وفلكي، وفيزيائي، لكنه سلك الطريق الصعب، واتجه للطريق الصعب حيث قام بدراسة الفلسفة، فعكف على دراسة فلسفة أفلاطون وأرسطو، ودافع عن الفلسفة، ودعا إلى الاجتهاد والتفكير في الدين، ورفض فكرة أخذ الدين عن السلف دون التفكير فيه، ومن هنا بدأ الصراع، فرغم أنه حصل على لقب "فيلسوف الإسلام"، إلا أنه تعرض للكثير الاتهامات بالكفر والاحاد في نهاية حياته، وانقلب عليه أبي يعقوب يوسف، وأبعده إلى مراكش بالمغرب.
وكان ابن رشد يري أنه لا تعارض بين الدين والفلسفة، ولكن هناك بالتأكيد طرقًا أخرى يمكن من خلالها الوصول لنفس الحقيقة المنشودة، ويؤمن بسرمدية الكون ويقول بأن الروح منقسمة إلى قسمين اثنين، القسم الأول شخصي يتعلق بالشخص والقسم الثاني فيه من الإلهية ما فيه. وبما أن الروح الشخصية قابلة للفناء، فإن كل الناس على مستوى واحد يتقاسمون هذه الروح وروح إلهية مشابهة، وكان ابن رشد يؤكد أن لديه نوعين من معرفة الحقيقة، الأول معرفة الحقيقة استنادًا على الدين المعتمد على العقيدة وبالتالي لا يمكن إخضاعها للتمحيص والتدقيق والفهم الشامل، والمعرفة الثانية للحقيقة هي الفلسفة، والتي ذكر بأن عدد من النخبويين الذين يحظون بملكات فكرية عالية توعدوا بحفظها وإجراء دراسات جديدة فلسفية، وطالب معارضين ابن رشد بحرق كتبه، ونشروا الدعوة لعوام الناس بعدم قراءتها، وكفروا فكره واتهموه بالإلحاد، وبالفعل تم حرق معظم كتبه في الأندلس.
وقام المخرج العالمي يوسف شاهين بتجسيد شخصية ابن رشد وحياته في السينما المصرية، من خلال فيلم "المصير"، الذي تدور أحداثه في الأندلس في القرن الثاني عشر ابن رشد الذي كان قاضي قضاة قرطبة، ويصور الصراع الذي دار بين التوجه الفكري المتمثل بابن رشد الذي ينادي بالاجتهاد وبين التوجه الفكري المتمثل بالشيخ رياض الذي يدعو إلى التمثل بالسلف، وينتهي هذا الصراع بإحراق كتب ابن رشد، ويوضح يوسف شاهين من خلال الفيلم الذي شارك أيضا في كتابته، أن الأفكار لا يمكن ردعها أو محاربتها مثل الجيوش وذلك لأن للفكر أجنحة، ويتضح ذلك في نهاية الفيلم وهي أنه بالرغم من حرق كتب ابن رشد في الأندلس إلا أن نسخا منها حفظت في مصر.
ولابن رشد 108، وصلنا منها 58 كتابا نذكر منها "تهافت التهافت، الكشف عن مناهج الأدلة، شرح كتاب النفس، الحيوان، المساءل، تلخيص وشرح كتاب ما بعد الطبيعة".
توفي ابن رشد بعيدا عن وطنه "الأندلس"، بعد خروجه منها واتجاهه إلى مراكش حيث توفي بها في 10 ديسمبر 1198.