رئيس التحرير
عصام كامل

انتبه.. الثورة ترجع إلى الخلف!


في مصر حقائق يتجاهلها البعض عن عمد ويجهلها آخرون عن ضيق أفق، والحقيقة الأولى هي ذاتها التي أطلقها مبارك من داخل قفصه، عندما ترافع عن نفسه، قائلا: "إن عجلة التاريخ لا تعود إلى الوراء".. تلك الحقيقة التي تجاهلها مهللون فتحت لهم الفضائيات أذرعها دون علم أو أدب أو حتى مراعاة لظروف بلد يعيد بناء نفسه.


نحن أمام نظام جديد يبدأ مشوار البناء.. نظام "٢٥-٣٠"، وهو نتاج ثورتين دفعنا من دماء أبنائنا ومن استقرارنا ومن ثرواتنا الكثير، ولا يمكن بجرة قلم أن نضحي بما قررنا البدء فيه.. نظام مبارك لن يعود.. وبالتالي فإن الذين فضحتهم لحظة النطق بحكم المحكمة لا يمكن لهم أن يتصوروا عودته.. لا يمكن أن تخرج مصر من أفريقيا كما خرجت أيام مبارك، ولا يمكن لها أن تسلّم مفاتيحها للعم سام في واشنطن كما كانت، ولا يمكن لها أن تعود إلى الاعتقالات كما كانت، ولا يمكن لنا أن نتقهقر عن دورنا الحضاري كما ساقنا مبارك، ولا يمكن أن نعيد زراعة الأمراض الفتاكة كما فعل نظام مبارك.

من غير المنطقي، أن نضحي بدماء أبنائنا ونلقي بها في البحر، ولا يمكن لعاقل أن يتصور أن خروج مبارك من القفص هو إخراج جديد للحزب الوطني وعودة إلى شرعنة الفساد ورجال تسقيع الأراضي، ولا يمكن لعاقل أن يتخيل ولو لمجرد التخيل أن تعود مصر إلى التضحية بفلاحيها وعمالها وثرواتها كما فعل مبارك، لا يمكن أن ننسى القلاع الصناعية التي باعوها بأبخس الأثمان لتباع في سوق العقارات بمليارات الدولارات.

انتبه.. عجلة الثورة لا تعود إلى الخلف، ومحاولة إعادتها إلى الوراء ستلتهم الأخضر واليابس.. محاولات البعض وسقوط الآخرين في مستنقع التشفي في الثورة والثوار محاولة للنيل من نظام السيسي الذي ابتنى أولى قواعده على شرعية الجماهير، ومحاولة إعادة وهم مبارك هي ضرب لنظام استمد ويستمد قوته بداية من تفويض شعبي منحه الشعب لواحد من المؤمنين بالثورتين، ومحاولة الالتفاف على هذه الحقائق هو الخطر الذي يجب أن نستعد له من الآن.

قُبر مبارك في الخامس والعشرين من يناير، ودفن، وتحلل في الثلاثين من يونيو.. فقد كان هو المحرك الأساسي للثورتين.. الأولى عندما لم يستمع إلى صوت العقل، والثانية عندما ترك لنا ميراثا إرهابيا رباه في بيته ورعاه وسهر عليه.. كل مصائب مصر وكوارثها كانت ناتجا طبيعيا لنظام ضرب الحياة السياسية في مقتل، وجرف البلاد ومحا هويتها ولعب بأمنها القومي، وظن في ساعة جهل أنه قد ورث الأرض والشعب، ودانت له الرقاب والعباد.

الذين اتصلوا من فضائيات مبارك بالهاربين وكبروا وهللوا للفوز بتعليق البريء، وظنوا أنهم إنما يستعيدون نظامهم عليهم أن يتواروا خجلا، وأن يختفوا من المشهد كما اختفوا أول مرة، عندما كان الواحد منهم لا يطلب إلا أمنه الشخصي وأمن أسرته.

شيئًا فشيء، عادوا إلى الظهور وساعدتهم تلك اللحظة التي شغلنا أنفسنا بقتال أعداء الوطن وأعداء الدين.. اندسوا بين الجموع المتحركة وبدأوا من حيث بدأ الوهم الإخواني.

الحقائق التي لا يجب على أحد أن يتجاهلها أن الشعب ثار وأسقط، وهو يبني الآن.. صحيح استفاد مبارك واكتسب شعبية بُنيت على سوءات نظام الإخوان وقهر الإخوان وفساد الإخوان وعهر الإخوان وكذب الإخوان وعمالة الإخوان وتخابر الإخوان، إلا أن ذلك لا يمنحه صك العودة، فظهور الأكثر فسادا لا يعني أن يرضى الشعب بالفاسد!.
الجريدة الرسمية