رئيس التحرير
عصام كامل

«الشواذ» في الإعلام المصري!


إلى وقت قريب جدًا، كان مقدمو برامج الـ«توك شو»، والمتخصصون في «الميديا»- بوجه عام- ينتقدون بعض المواقع الإلكترونية التي تتناول قضايا مثل «الاغتصاب» و«شبكات الدعارة»، والتركيز على قضايا «الشذوذ الجنسي»، أو التركيز على أخبار نجمة تليفزيون الواقع الأمريكية «كيم كاردشيان».


وكانت حجة الزملاء أن هذه المواقع تركز على «السلبيات»، والقضايا «الشاذة»، والعمل من «الحبة قبة»؛ لتحقيق أعلى «ترافيك» بين المواقع المنافسة، عن طريق جذب المزيد من القراء؛ من خلال مخاطبة غرائزهم.

الآن انقلبت الآية تمامًا، ففي الوقت الذي قررت فيه هذه المواقع عدم تناول مثل هذه القضايا، أو على الأقل عدم التركيز عليها، فوجئنا ببرامج الـ«توك شو» في القنوات الفضائية الخاصة - إلا القليل منها- تتجاهل القضايا الجماهيرية الجادة، وتخصص فقرات بل حلقات كاملة، لتناول القضايا الشاذة والتركيز عليها.

وتحول الأمر إلى سباق محموم بين مقدمي هذه البرامج، كلٌ منهم يحرص على تناول القضايا الأكثر شذوذًا، ويحرصون على اختيار «الضيوف»، الذي يجيدون الحديث في هذه القضايا «الشاذة»، فعدد من الإعلاميين استضافوا رجلًا محسوبًا على الأزهر الشريف، كل مهمته «الطعن في ثوابت الدين»، و«التشكيك» في الأحاديث الواردة في «البخاري ومسلم»، وتصديه لـ «الإفتاء» عن جهل، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

كما تسابق عدد من مقدمي برامج الـ«توك شو»، من بينهم الإعلامي اللبناني «طوني خليفة» على استضافة بعض «الملحدين»، ليتحدثوا عن تجربتهم مع «الإلحاد»، تقليدًا لما فعلته الإعلامية «ريهام سعيد»، وللأسف فإن هذه الحلقات بدلًا من أن تقدم فكرًا يقنع «الملحدين» بالتخلي عن إلحادهم، استعانت ببعض ممن يُطلق عليهم «شيوخ الفضائيات»، ليدخلوا مع هؤلاء الملحدين في وصلة «ردح» على الهواء.. والنتيجة لا «الملحد» آمن بالله، واعتنق «الإسلام» أو «المسيحية»، ولا الشيخ نال احترام الجمهور، ولا المذيعة سَلِمت من هجوم المشاهدين.. باختصار.. «لم ينجح أحد».

أما الإعلامي عمرو الليثي فيكاد يكون قد سخَّر حلقات برنامجه «بوضوح» لا لمخاطبة «عقول» المشاهدين، بل لمخاطبة «غرائزهم»، فها هو يستضيف طبيبة متخصصة في العلاقات الزوجية؛ لتجيب عن الاستفسارات «الجنسية» للمشاهدين، ابتداءً من ممارسة «العادة السرية»، وانتهاءً بالأوضاع المناسبة بين الزوجين، وخريطة أماكن «الإثارة» في جسد الرجل والمرأة.. إلخ، مكتفيًا بوضع جملة «للكبار فقط» أعلى الشاشة، وكأنه يدعو جمهور «المراهقين» إلى متابعة الحلقة.

واستطاع الليثي - من خلال تنوع القضايا الشاذة التي يتناولها - أن يحظى بمكانة خاصة بين المشاهدين الذين يحرصون على متابعة حلقاته، ولِمَ لا وهو يلبي رغباتهم؛ فتارة يستضيف «المتحولين» أو الراغبين في «التحول الجنسي»، وتارة أخرى يستضيف «فتاة» لم تتحول بعد إلى «ذكر» لتصدم المشاهدين باعترافها بزواجها من «أنثى» مثلها، وثالثة يستضيف من يُطلق عليهم «مفسري الأحلام» و«الدجالين»، وكأننا لم «نشبع» من «الجهل والتخلف»!

وعلى نفس خطى «الليثي» سار «يوسف الحسيني»، الذي استضاف أحد الأطباء ليتحدث عن أسباب ممارسة «العادة السرية»، وكأن الشعب - «إللي بيفهمها وهي طايرة»- لا يدري أسباب ممارسة هذه العادة؟!

ولم يفت الإعلامي «معتز الدمرداش» أن يحصل على نصيبه من كعكة «الشذوذ»، فخصص أكثر من فقرة في برنامجه «مصر الجديدة»؛ للحديث عن «زنا المحارم»، واستضاف في حلقة أمس الثلاثاء، «فتاة قطور» التي زعمت أن والدها اغتصبها وحملت منه سفاحًا، وهي الفقرة التي أثارت استياء المشاهدين الذين طالبوا «معتز» بعدم التركيز على مثل هذه القضايا «الشاذة»، فكان رد «الدمرداش» عليهم: «لا يجب أن نكون مثل النعام وندفن رءوسنا في الرمال»، وهو- في رأيي- «رد أقبح من ذنب»!

القائمة طويلة، وللأسف الشديد، راهن هؤلاء الإعلاميون على «غريزة» الجمهور، وكان الأولى بهم أن يراهنوا على «عقله»، ويخاطبونه بما يستحقه، أو بما يمليه عليهم «ضميرهم»، أو «رسالة» الإعلام «التنويرية».. لهذا فإنهم- مع كل حلقة جديدة من هذه النوعية «الشاذة»- يفقدون احترامهم عند الجمهور، الذي كان ينتظر منهم مناقشة قضايا وطنية جادة، تتعلق بـ«واقعه» وحياته اليومية، لا تلك التي تتعلق بـ «......»!
الجريدة الرسمية